التصنيفات
مدونتي

الحياة في إطار!

في كتاب خاص عن عصر الموضة ، ذكر الناقد الفرنسي رولان بارت أن من أهم خصائص الموضة الحديثة تتمثل في فوتوغرافيتها ، مصورا أن العالم عادة ما يتم تمثيله في صورة موضة ، في شكل ديكور خاص بعمق أو بمشهد ، وباختصار ديكور مسرحي ، رابطا بين الصورة والموضة على أساس أن الصور الفوتوغرافية تشكل لغة خاصة لها معجمها وتراكيبها ، وخدعها الممنوعة أو المستحبة ، وهنا ينتهي اقتباسنا لرأي بارت .

تكمن فلسفة الصورة في واقعيتها المجردة ، مسافتها الفاصلـة ، ألوان ظروفـها الطبيعية ، تفاصيلها الغامضة ، وإلا لم آلاف اللوحات التصويرية خالدة ليومنا هذا ؟

الجواب بسبب ظروف رسمها وشخصيتها اللغز في عين الكثير من النقاد والمهتمين في تاريخ الصورة والفن التشكيلي .

ففن التصوير لا يعني لقطة عابرة أو احتفالية جامدة ، بقدر ما هو احتفالية مناظر ومشاهدة مختلفة لواقع يومي معاش ، جاءت في وقت مغاير وسياق جديد في عين ملتقطها ، لتخرج من واقعيتها المباشرة إلى أخرى متخيلة . وهو ما أشار إليه الناقد أمين صالح في كتابه ( السوريالية في عيون المرايا ) بأنها – الصورة – إعادة تركيب للعالم من أجزائه الموجودة لكن وفق آلية جديدة، حرة، لا تعرف رقيبا أو حسيبا، تتداعى بطواعية مطلقة، فاسحة المجال لمختلف ضروب الغرابة.. فهي لا يمكن أن تكون – أي الصورة – ملزَمة أو مضطرة لأن تُظهر نفسها . 

ليردف قائلا : ” الصورة هنا تخرج عن القيود المنطقية والعقلية نحو اللامنطق. إن العلاقة تتخذ أبعادا أخرى، بعيدا عن الرابط الذي يشد السبب إلى النتيجة، والشبيه إلى شبيهه، وكل ما هو معروف عن منطق الجذب والتنافر بين الأشياء والصور والأفكار. إنه اللامنطق. نقل ما هو عادي إلى حدود الغرابة والدهشة ” .

الصورة اليوم .. أينما تجولت في أي مجتمع عصري ، ستجد غالبية أفراده يستغلون لحظات وجودهم في أية مناسبة أو مكان في التقاط صور منوعة غير ممنوعة ، تختلف فيها زوايا رؤيتهم للموضوع ، مع تغيير محدود لواقعية اللقطة بما يضيفونه من فلترة مختلفة وألوان فاقعة أو باهتة تبرز كيف يحبون أن يراها الآخرون ، بمجرد اختيار أمر share ، لتخرج من حيزها الشخصي إلى العامي!

هكذا هي الحياة اليوم ، جميلة بعين من يريد أن يراها ، مزخرفة بكل مظاهر السعادة المفترضة أو العلاقة المتخيلة الرائعة بين أفراد العائلة الواحدة في مناسباتها الخاصة ، وكأن لسان الحال يقول : نحن عائلة سعيدة جدا . مع بعض المونتاج أو الكولاج ! 

أمر جميل أن نشارك الآخرين فرحنا ، دهشتنا ، اكتشافاتنا ، مواهبنا ، نشاطنا ، لكن ليس بالمبالغة المتجاوزة للمعقول في نشر أدق التفاصيل الشخصية التي تصل سذاجتها إلى حد استعراض الابتسامات الجامدة للإقناع بكفاءة السلعة كما في صور إعلانات منتصف القرن العشرين ، وهو لا يختلف في رمزيته عن الوجوه الجامدة لعارضات الموضة ، مما قد يساهم في ارسال رسالة خاطئة إلى جيل لاحق بأن المجتمع السابق عاش حياته سعيدا ، فقط داخل مربع الانستغرام

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

رغيف الروح

بمجرد أن تفكر أنك تحتاج إلى قدر من الراحة، لتصفي ذهنك من التزام ما، وتبديل نمط ثيابك اليومية، وتتمرد على عاداتك التي بدأت تضيق عليك آفاق تنفسك، وتخلع كل قبعات النهار المثقلة بالروتين والأرق، فتأتيك الفكرة المجردة عن كل ملابسات الواقع المعاش، حتى يبدأ خيال سويفت يداعب ذهنك، فتتمنى أن تعيش إحدى رحلاته الغوليفرية نحو عوالم مختلفة، لا تجد فيها مجتمعات أقزام أو عمالقة، وإنما تجد نفسك أيها الإنسان بعيدا/ متجردا من كل أقنعة الأيام السابقة، ولو كانت جزيرة في أقصى حدود العالم، تعيش يوميات كروزوية، قد يكون محدثك الوحيد فيها مستر ويلسون!

فالسفر انتقال من جزيرة أناك إلى جزيرة ضائعة أخرى، عابرا أعتى بحار المجهول فيك، تبحث هناك عن كنوزك التي ماتزال مخبأة، فشلت كل محاولات القراصنة للوصول إليها قبلك، بعدما عبثت بها رياح العمر، وحادت عنها أشرعة الأماني، وفشلت رمال الصحراء أن تدفنها حية، مادام نفسٌ فيك يبحث.

السفر عقيدة الأنبياء وملاذ الصالحين، فالعالم خيوط متفرقة، ملونة، لا تسمح لأحد أن يشدها حولك غير روحك، عبر مغزل التجربة، فتعاند حدتها، وتحذر نعومتها، لتتمعن في دقة التكوين المراد، حتى تنسج منها كنزة شتائية تصمد بوجه لسعات برودة المشاعر، صقيع الوحشة وجليد الأنانية.

في حياة الأديب العالمي البرتغالي خوسيه سارماغو تأملات كثيرة عن أسفاره التي امتدت إلى أكثر من أربعين بلدا حول العالم، واقتبس من بعضها عددا من الأعمال، تجد خبرة ذلك تتشكل في قوله:«إن الصور القديمة تخدعنا كثيرا فهي توهمنا بأننا أحياء فيها، وهذا غير صحيح لأن الشخص الذي ننظر إليه فيها لم يعد موجوداً ولو كان بمقدوره أن يرانا فلن يتعرف على نفسه فينا وسيقول: من هذا الذي ينظر إليّ بوجه محزون».

فكم من الصور يمكن أن تُمسح من ذاكرتنا بفضل السفر، وأن نحفظ بدلا منها صورا جديدة تحفل بالطبيعة، بسحرها الأخضر، صفائها الأزرق، لتشكل منابع روحك من جديد. فتهيئ الأرض من تحتك لنغم مختلف، وتعد الأطيار بعزف جميل، لتحكي معك الأشجار حكايات وتغني أحلى المواويل.

العمر، تذكرة سفر واحدة، بلا عودة، فانتهزها، لتطلق عنان روحك، ليعد للحياة أكثر من معنى.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الثقافة: ترف أم بقاء؟

كان هذا عنوان أولى محاضرات مركز جابر الأحمد الثقافي في يوم ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦، قدمها كل من الإعلامي القدير محمد السنعوسي والدكتور سعد بن طفلة العجمي، وكلاهما تقلّد منصب وزير الإعلام في فترتين مختلفتين. أذكر أن الحوار دار بين أسئلة شارك بها الحضور حول ماهية المثقف ودوره، وماهي الثقافة ومن هم النخبة، وغيرها من المفاهيم والأسئلة التي لم تصل المحاضرة ولا مداخلاتها إلى تحديد واضح عنها، مما يعني استمرار الجدل حولها إلى مناسبة أخرى لا تختلف عن مناسبة افتتاح قاعة المحاضرات في مركز جابر الثقافي!

استذكر تلك المحاضرة الأولى ونحن أمام تغيّر قادم محتمل في هوية وهيكل المركز بعد تردد أخبار بنقل تبعيته لوزارة الإعلام. اللافت أنه مر على محاضرات المركز أكثر من وزير سابق للإعلام وقيادات إعلامية سابقة وحاضرة في البلاد، وحمل كل منها هموم وتطلعات في تنمية الثقافة، لذلك كيف سيتم تشكيل مركز جابر الثقافي الآن، وما مدى نسبة التطور والتنمية التي سيمضي بها المركز بعيدا عن بيروقراطية المؤسسات الحكومية .

والسؤال الأهم، إلى أي درجة سيحافظ المركز على ارتفاع السقف في حرية تقديم نوع العمل الفني والنشاط الثقافي؟

لاشك أن المركز يتمتع بشكل حضاري عمراني مبهر على ساحل الخليج العربي، ويضم قاعات ضخمة وممرات منيرة بأفضل أنواع الإضاءة والتجهيزات البصرية. والآن وبعد التغيير المحتمل لهوية المركز، هل سيمضي في طريق البقاء في ظل الرقابة التي ستكون مشددة أكثر تلافيا لأي سؤال أو استجواب برلماني متشدد. أم يكون المكان مقرونا بالترف وسلسلة المطاعم التي حافظت على اسم “الأوبرا” مترددا هنا عبرWord-of-mouth marketing ، دون أن تكون الأوبرا حاضرة بمفهومها الفني والثقافي!

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

قناع المؤلف

 

انتشرت في القرن الماضي فكرة موت المؤلف ، التي روّج لها الناقد الفرنسي رولان بارت في معرض نظرية مفادها إن” مولد القارئ يجب أن يعتمد على موت المؤلف، باعتبار أن قارئ رواية ما لا يستدعي مؤلفها على أساس أنه هو سيد الأثر،وإنما يستحضره كشخص من شخصيات الرواية، إذ لا تعود حياة الكاتب مصدر حكايته وأصلها، وإنما حكاية تنافس أثره وعمله “. تلقت هذه النظرية الكثير من الجدل حولها، وتعالت أصوات مؤيدة وأخرى منددة، ولكننا في هذا المقال سنتوقف عند نقطة المؤلف هو سيد الأثر، مهما تبدلت أقنعته في النص، واختفت هويته الحقيقية وراء كاتب مجهول، مادامت شخصيته حاضرة وأفكاره محلقة خارجة أية وصاية.

في الفيلم المذهلTrumbo المنتج عام 2015 وقد رشّح لعدة جوائز سينمائية أبرزها الأوسكار، يحكي سيرة ذاتية لكاتب الأفلام السينمائية الأمريكي دالتون ترامبو خلال فترة ما يسمى بالقائمة السوداء التي قادتها لجنة مكارثي بالكونغرس الأمريكي فترة أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وهو ما أدى إلى اتهام الآلاف من الأمريكيين بانتماءات شيوعية ، ما تسبب بإدانة الكثير منهم ليقضوا في السجن الفيدرالي عدة سنوات، وسط مقاطعة عموم المجتمع الأمريكي لهم. كان من ضمن من تمت مقاطعته دون سجنه ترامبو الذي رفض الكثير من المنتجين الأمريكيين العمل معه بعد تحذير اتحاد المنتجين السينمائيين من ذلك، الأمر الذي دفع ترامبو إلى حد الافلاس والانهيار النفسي لعائلته، حتى خطرت بباله فكرة كتابة أفلام سينمائية تحت أسماء وهمية، فأخرج وهو في عزلته الكثير من الأعمال الناجحة التي هزت قاعات السينما العالمية تصفيقا واعجابا، برغم محاولة الحرس القديم كشف حيلة ترامبو، وتحذير كل المتعاونين معه دون جدوى، لتحصد أعماله العديد من الجوائز الفنية، على رأسها الأوسكار.

أجمل ما قدمه الفيلم ، لم يكن فقط في تفاصيل السيرة الذاتية ، أوالمواقف التي تجلى بها ترامبو عبر الأداء المذهل للممثل البريطاني بريان كرانستون، وإنما أيضا الفكرة القائلة بأن الأفكار تحلق دون أجنحة، وتصل إلى متلقيها، فتثير متعتهم بصرف النظر عن اسم المؤلف، معلوما أو مجهولا، إضافة إلى الرفض المطلق لأي وصاية تتمثل بأي سلطة في المجتمع تحت دعوى الحفاظ على الثوابت، كما جاء في إجابة ترامبو على أسئلة محققي لجنة الكونغرس : ” بعض الأسئلة التي يمكن إجابتها بنعم أو لا فقط ، تكون من قبل عبد أو معتوه ” . ولهذه العبارة ، عمق كبير في معناها الذي يرفض الاجابات الجاهزة لأسئلة القمع والاختيارات الأحادية المزاج !

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

علي السبتي.. الشعر والرحيل

غادرنا قبل أيام أبو فراس علي السبتي، شاعرنا الكبير الذي مهما تحدثنا عنه، فلن نوفيه حقه مطلقا، كرائد للشعر الحديث في الكويت، أو أديب له حضوره المتميز والمتفرد في قلوب الأدباء و الكتاب الشباب، أو إنسان يترك أثرا عميقا في نفوسنا عندما نستحضره دائما.

الشاعر علي السبتي قامة شعرية أصدر عبر مشواره الأدبي أربع دواوين شعرية تنوعت القصيدة فيها ما بين العمودي والتفعيلة ، ليس على مستوى القصائد ، بل والقصيدة الواحدة التي جمعت هذه الثنائية العروضية . 

في ديوانه الأخير ” رأيت الذي رأى ” ، يقدم لنا السبتي رؤية شاعر مرت عليه تجارب الحياة ومراحلها المتحولة، نحو تبدل أنماطها والقيم السائدة فيها ، بالرغم من أن لكل عصر ظروفه وتحدياته.

ففي وسط اغراء الحياة، وتزينها بأخلاق هشيم، حيث بات الدلال المسرف يشينها لا يجملها، وهو ليس دلالة على تحول تنازلي بالقيم فحسب، بل للربط بين الإغواء القديم واليوم الذي لا تختلف حقيقته، وإن تبدلت صوره، وكثرت روابطه ، سرا وجهرا.

” تحاول إغوائي وغيري خدينها 

                   ولي مني حافظ ومنها قرينها ” 

فهل كانت تدري – هذه الحياة – أي حزن تثير ، و أي درب آخر قد تنير ؟ 

” لو كنت تدرين أي درب سالكة 

                    لكنت كالنجم يهدي السائر السّبلا 

ولست أعتب .. نفسي لا تطاوعني 

                   لكن حزنا بقلبي فاض مشتعلا 

وما تكشّف لي ما عاد محتملا 

                  فصرت أشكو إليك .. منك ما حملا ” 

وفي حين يكون الهوى مغلوبا لا غلابا إذا ما ارتبط بغير نفس الحر ، ولو ازدانت حوله الحياة كما قال الشاعر :

” ونفس الحر إن وجدت هواها 

                 بغير وعائها لا تستقيم ” 

فإن الشاعر يتبع هواه في نهاية الأمر  :

” وفي ملتي أن الهوى يتبع الهوى

                         وإن هوى نفسي لقلبي تابع “

إذن نحن نقف أمام جدل الهوى مع الشاعر . 

ووسط الحطام التي خلفته مادية الواقع ، والقهر المتسلل إلى عزة النفس وأعماق الروح ، ينسحب الواحد منا إلى عالمه الداخلي الرحب ، مما يجعل الآخرين يظنون بك يأسا من حياة أو هربا من حقيقة أو غربة بمعية عشير ، تاركا حفلات الخداع ومزادات الادعياء ، منفردا في صوته المحلق بعيدا / غريبا عن هكذا حياة :

” يسألونك 

كيف تعيش وأنت وحيد

قل لهم : من يرى خلف هذا السديم

زمانا جديدا 

كيف يحيا وحيد ؟ “

إنه زمان عجيب ، منتظر ، مليء بكل التناقضات ، والمعادلات المقلوبة ، التي يبحث فيها الواحد منا عن موقع فيها ، يحقق وجوده ، دون العدم :

” هل أنا رقم بين الناس 

أم أن الناس هم الأرقام

وأنا صفر في غير مكاني ! 

أو أن زمانا يأتي غير زماني “

ليعود الشاعر ويقر بما رآه في زمانه وما لم يره الآخرون اليوم :

” وإني قد رايت وما رأيتم 

                  زمانا تزدهي فيه النجوم

يعيش العارفون به سراة 

                 ويبقى الأرذلون كما أُسيم ” 

إلى جانب ذلك ، فإن الديوان ” رايت الذي رأى ” حافل بقصائد ذات حضور وجداني ، قومي ، و إنساني ، ويتمثل الجانب القومي في قصيدة ” رسالة من جندي كويتي إلى زوجته ” ، والوجداني في قصيديتين مهداتين إلى صديقة الشاعر الراحل خالد سعود الزيد الذي جمعته به سنوات طويلة ومعارف شتى ، فيجده – الزيد – فريدا / وحيدا في الحياة التي كان بها :

” لا شاطئ يأويك ولا ميناء

ميناؤك بين ضلوعك 

فاخل تأمن 

مرساتك تاريخك

يزهو بك في كل زمان ” 

ونختم بقصيدته ” البرتقالة المضيئة ” التي أهداها إلى أحمد متولي حارس رابطة الأدباء ، حيث سؤاله – الشاعر – له عن تلك الشجرة ، ليقول :

” قال لي : أثمر البرتقال

قلت : من بعد ما أثمر الهجر

والشعر آذن بالارتحال

والمكان غدا مرتعا للنِمال 

بعد أن كان بستان حبٍّ

تُرقّص أغصانه نسماتُ الشمال ” 

هذا مقال لا نمل أن نكتب غيره ، عن شاعرنا الكبير ، شاعر إنسان له نظرته العميقة في هذه الحياة ، وقلب كبير.

فرحمك الله يا أبا فراس، وإنا على فراقكم لمحزونون.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

فهد توفيق الهندال

تصوير الصديقة فتحية الحداد

التصنيفات
مدونتي

عولمة كوفيد 19

قبل مطلع الألفية الثالثة، استعد العالم لدخول عصر العولمة بمزيد من الاستعداد الثقافي والتكنولوجي مع بداية قرن جديد، يختلف في تفاصيل أحداثه عن القرنين السابقين، مع عدم اختلاف عناوين القضايا الكبرى. فحتما سيشهد ثورات مختلفة في وسائلها، ولكن تتفق في أسبابها مع الثورات السابقة. لكن الثورة الجديدة والمختلفة عنوانا وتفصيلا تتمثل في عالم المعلومات والتواصل الإجتماعي، مما مكّن المجتمعات المدنية لأن تكون خارج نطاق الوصاية والقبضة الحديدة السابقة.

ولكن هل استفاد كل العالم من ذلك؟

لاشك أن الإجابة ستكون محصورة في العالم الأول وربما الثاني، حيث تجاوزت مجتمعاتها أنظمتها ودخلت في منظومة معلومات مشتركة في حالة تحديث مستمر على مستوى العلم والانتاج.

أما العالم الثالث فما يزال قابعا تحت تأثير الثقافة الاستهلاكية والتوظيف السلبي للتكنولوجيا وثورة عالم الاتصالات.

فلا نجد اختراعا أو ابتكارا هنا إلا وقد دخلت أصابع علماء الغرب في صناعته وتوجيهه وتحريكه!

على سبيل المثال المُعاش اليوم، عندما رزح العالم تحت وطأة جائحة كورونا، دخل علماء العالم الأول والثاني في صراع مع الزمن في اكتشاف لقاح لهذا الوباء القاتل، فيما انشغل معظم منظري العالم الثالث بوجود مؤامرة جديدة عليهم!

لأتساءل، كم عدد المؤامرات التي رزح تحتها العقل هنا حتى استهلكت كل فرص التفكير الإبداعي والصناعي وحل محله “التفكير” الاستهلاكي فقط؟

الاجابة باختصار، مرد هذا التفكير الاستهلاكي الشعور الدائم لإنسان اليوم بأنه مؤقت في مكان مؤقت لا يستدعي جهدا أو طموحا نحو مستقبل دائم، مادام ينتظر طابور التحديات يمر عليه وهو ساكن في مكانه.

صحيح بأن الواقع يحمل مرارة مستمرة، ولكن عندما يتجه تركيز كل منا لاصلاح عالمه الصغير وتطوره، حتما سينعكس على العالم المحيط.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مقالات

تفكيك السرد الإجتماعي

untitled image

يذكر الفيلسوف الفرنسي بول ريكور بأن أجهزة المجتمع الأيديوليجة تقوم بوظيفتين أساسيتين: الأولى هي إضفاءالمشروعية على ممارسة السلطة والجماعة المهيمنة،والأخرى هي “تشكيل هويات” الأفراد وصياغة الوعي الجماعي والذوق العام، أو ما يسميها ريكور بوظيفة”إدماج” الأفراد في أيديولوجيا الجماعة ، هدفها إضفاءالمشروعية السابقة. ويوضح أن هذه الوظيفة من خلالالطقوس الاحتفالية التخليدية التي تحيّن بواسطتها جماعةما الأحداث المعتبرة في نظرها والمؤسسة لهويتها مثل يومالاستقلال ويوم الثورة. إن وظيفة الأيديولوجيا في هذه اللحظة هي : “نشر الاقتناع بأن تلك الأحداث المؤسسة هي عناصر مكونة للذاكرة الاجتماعية، ومن خلالها للهوية نفسها” . ويعتقد ريكور أنه من الهوية الذي لا يتحقق إلا بالتأليف السردي وحده، حيث يتشكل الفرد والجماعة معاًفي هويتهما من خلال الاستغراق في السرديات والحكايات التي تصير بالنسبة لهما بمثابة تاريخهما الفعلي. ولعل الهوية القومية هنا خير مثال على تحكمها في مصير الأمة ، فإما الولاء التام  أو تواجه تهمة العمالة للإعداء حتى لو دخلت الأمة في حروب طاحنة ، تهلك الحرث والنسل ، كما دخلتها البشرية في القرن العشرين ، حتى نكون واقعيين زمنيا مطلعين ما لآثارها حتى اليوم . على الجانب الآخر ، في كتابه المذهل ( مهزلة العقل البشري ) ، ينطلق المفكر العراقي علي الوردي من فكرة ضرورة البحث و فهم الحقيقة قبل فوات الأوان، إذ أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة انتقال قاسية، يعاني منها آلاماً تشبه آلام المخاض، ففي كل بيت من بيوت المسلمين عراكاً وجدالاً بين الجيل القديم والجيل الجديد، ذلك ينظر في الحياة بمنظار القرن العاشر، وهذا يريد أن ينظر إليها بمنظار القرن العشرين . يضيف الوردي بأنه كان ينتظر من المفكرين من رجال الدين وغيرهم، أن يساعدوا قومهم من أزمة المخاض هذه، لكنهم كانوا على العكس . وهو ما نجده اليوم في التقاتل ليس بين المذاهب وإنما في البيت الواحد ، كما ذكر الوردي . من واقع الفكرتين ، نجد أننا نعتاش منذ عقود على سرد اجتماعي متوحّد منفرد في مرجعيته و أثره ، ورثنا قوالبه الجاهزة لكل عصر ، كما هي اختلافات الأجيال السابقة ، وهو ما كان يعرّف بصراع الأجيال ، في حين أجد أنها صراع الأفكار في مدى تقبلها من العقل البشري ، ولا يكون ذلك إلا في إعادة تفكيك ذاكرة المجتمع ، وربما في بعض الأحيان نحتاج لتدمير قوالبه الجاهزة لموروثات الماضي التي تعرقل التفكير الإيجابي نحو المستقبل. معولنا في ذلك العقل ، الذي اجتمعت الأديان والفلسفات على أنه الكائن الأكثر حيوية و تحولا و قابلية في النقد والتحليل ، وتدعو لتحكيمه مقابل النقل في كل عصر . قصص كثيرة وردت على لسان الوردي في الكتاب الآخر الذي كتب عنه ( علي الوردي في ملفه الأمني ) الذي أعده سعدون هليل ، كيف أن الغرب أخذ عن المسلمين علومهم ، مقابل الخرافات التي سيطرت على تفكير العامة منهم حول كيفية نشوء الكهرباء ، وهو ما يعني سبب التفوق الفكري للغرب اليوم على العرب ، بيد العرب أنفسهم . مقابل ذلك ، ألا  يدعونا ذلك لإعادة تفكيك السرد الاجتماعي إن لم يكن تدميره ؟!

التصنيفات
مقالات

النقد والجزر الثقافية

untitled image

منذأن دخلت معترك العملالثقافي ،والكتابة النقدية تفرض نفسها عليبمرورالسنوات الماضية والملتقيات والندوات النقدية التي شاركت بها شخصيا ، ومختلف الأنشطة التي حضرتها كمشارك أو مستمع ،وما يزال سؤال يتردد صداه في بالي : هل ثمة جدوى لما نكتبمن نقد؟لا أعتقد أن الإجابة محصورة بي وحدي ، وإنما بكل المهتمين بالعمل النقدي والحركة الإبداعيةككل وسط من نشهده من انفجار سردي هائل جدا ، وسط تزاحموتنافسالأجيالالمتعددةفي عقد واحد على الكتابةالإبداعية ، حافز معظمها في ذلك الجوائز الأدبية التي تناسلت أكثر مما قبل ، دافعها الرغبة في الحضور المستمر في المشهد الثقافي ، محركها الورش المهتمة في الكتابة الإبداعية ، بصرف النظر عن رؤية القائمين أو هدفها وراء تنظيمها ، وهو ما يجعل الكثيرين يعتقدون أنه بتجاوزهذه الورش فقد امتلك الرخصة المؤهلة لممارسة الكتابةالأدبية، مادام أنها تنظمتحت إشراف شخصيات لها ثقلها الإبداعي في الساحة المحلية أو العربية .لست ضد تنظيم الورش الخاصة بالكتابةالأدبية،ولكنني مع دقة تخصصها و اتضاح نتائجها مستقبلا في الفرز بين الغث والسمين ، فلا يتحمل النقد وحده هذه المهمة ، بل والقائمين على الورش ودور النشر والمؤسسات الرسمية والأهلية في إعطاء كل ذي جهده حقه الأدبي المستحق .النقد مهمة ليستسهلة ،وليست محصورةبالفرد دون المجتمع، الذي مهما اجتهد فإنه يقاتل لوحده في ميدانيكتفي البقيةفيهبالتفرجوالتذمر.فمرارا وتكرارا تحدثنا عن دور الجامعاتوالمؤسسات العلميةفي دعم وتأسيسالنقد ،كما هو الحاصل في جامعات المغربالعربي كنموذج فعلي يحتذى به ،ليس فعّالا هنا ، بل مجرد اجتهادات شخصية من بعض العاملين في الحقل الأكاديمي ، أما السواد الأعظم فانشغل ببحوث الترقيات العلمية والمنح الأكاديمية !لهذا توجهتمجموعة من المبدعين والمتخصصين لتأسيس مختبرات خاصة بالتحليل النقدي للكتاباتالإبداعية ،وأُنشئت بيوت للشعر والسرد ، يهتم مؤسسوها وروادهافي متابعة وتحليل المشهد عبر نصوص مبدعيه ، دون أدنى دعم من المؤسسات الرسمية .ومن ثم التواصل مطلوب بين الملتقيات الثقافيةمع  المختبراتالسردية في تبادل الخبرات والمقترحات ، تتجاوز حالة الجزر الثقافية التي تعيشها معظم الملتقيات والتجمعات الثقافية في الكويت والمنطقة .