في كتاب خاص عن عصر الموضة ، ذكر الناقد الفرنسي رولان بارت أن من أهم خصائص الموضة الحديثة تتمثل في فوتوغرافيتها ، مصورا أن العالم عادة ما يتم تمثيله في صورة موضة ، في شكل ديكور خاص بعمق أو بمشهد ، وباختصار ديكور مسرحي ، رابطا بين الصورة والموضة على أساس أن الصور الفوتوغرافية تشكل لغة خاصة لها معجمها وتراكيبها ، وخدعها الممنوعة أو المستحبة ، وهنا ينتهي اقتباسنا لرأي بارت .
تكمن فلسفة الصورة في واقعيتها المجردة ، مسافتها الفاصلـة ، ألوان ظروفـها الطبيعية ، تفاصيلها الغامضة ، وإلا لم آلاف اللوحات التصويرية خالدة ليومنا هذا ؟
الجواب بسبب ظروف رسمها وشخصيتها اللغز في عين الكثير من النقاد والمهتمين في تاريخ الصورة والفن التشكيلي .
ففن التصوير لا يعني لقطة عابرة أو احتفالية جامدة ، بقدر ما هو احتفالية مناظر ومشاهدة مختلفة لواقع يومي معاش ، جاءت في وقت مغاير وسياق جديد في عين ملتقطها ، لتخرج من واقعيتها المباشرة إلى أخرى متخيلة . وهو ما أشار إليه الناقد أمين صالح في كتابه ( السوريالية في عيون المرايا ) بأنها – الصورة – إعادة تركيب للعالم من أجزائه الموجودة لكن وفق آلية جديدة، حرة، لا تعرف رقيبا أو حسيبا، تتداعى بطواعية مطلقة، فاسحة المجال لمختلف ضروب الغرابة.. فهي لا يمكن أن تكون – أي الصورة – ملزَمة أو مضطرة لأن تُظهر نفسها .
ليردف قائلا : ” الصورة هنا تخرج عن القيود المنطقية والعقلية نحو اللامنطق. إن العلاقة تتخذ أبعادا أخرى، بعيدا عن الرابط الذي يشد السبب إلى النتيجة، والشبيه إلى شبيهه، وكل ما هو معروف عن منطق الجذب والتنافر بين الأشياء والصور والأفكار. إنه اللامنطق. نقل ما هو عادي إلى حدود الغرابة والدهشة ” .
الصورة اليوم .. أينما تجولت في أي مجتمع عصري ، ستجد غالبية أفراده يستغلون لحظات وجودهم في أية مناسبة أو مكان في التقاط صور منوعة غير ممنوعة ، تختلف فيها زوايا رؤيتهم للموضوع ، مع تغيير محدود لواقعية اللقطة بما يضيفونه من فلترة مختلفة وألوان فاقعة أو باهتة تبرز كيف يحبون أن يراها الآخرون ، بمجرد اختيار أمر share ، لتخرج من حيزها الشخصي إلى العامي!
هكذا هي الحياة اليوم ، جميلة بعين من يريد أن يراها ، مزخرفة بكل مظاهر السعادة المفترضة أو العلاقة المتخيلة الرائعة بين أفراد العائلة الواحدة في مناسباتها الخاصة ، وكأن لسان الحال يقول : نحن عائلة سعيدة جدا . مع بعض المونتاج أو الكولاج !
أمر جميل أن نشارك الآخرين فرحنا ، دهشتنا ، اكتشافاتنا ، مواهبنا ، نشاطنا ، لكن ليس بالمبالغة المتجاوزة للمعقول في نشر أدق التفاصيل الشخصية التي تصل سذاجتها إلى حد استعراض الابتسامات الجامدة للإقناع بكفاءة السلعة كما في صور إعلانات منتصف القرن العشرين ، وهو لا يختلف في رمزيته عن الوجوه الجامدة لعارضات الموضة ، مما قد يساهم في ارسال رسالة خاطئة إلى جيل لاحق بأن المجتمع السابق عاش حياته سعيدا ، فقط داخل مربع الانستغرام
فهد توفيق الهندال








