التصنيفات
مدونتي

الرائحة الأخيرة للمكان

يبدو أن الصديق القاص الخطّاب المزروعي تنبأ في القصة التي حملت العنوان أعلاه، ما يمكن أن تؤول إليه ظروف الواقع المرة، وتغيّرات الحياة الثقيلة على حياتنا المُثقلة أساسا بكل ارهاصات الماضي وتقلبات وقلق المستقبل.
في بيان نشر على حساب مكتبة لوتس العُمانية- والخطاب المزروعي أحد ملاكها- أعلن عن تصفية وإغلاق المكتبة وتوقف حلم الزهرة التي أُريد منها أن تساهم في حراك النشاط الثقافي ودعم مكانة القارئ، ولعل التوقف مرده إلى الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، وما ترتب عليها من توقف المعارض وارتفاع كلفة الشحن وتوقف الكثير من النشاطات التجارية مع ضعف القدرة الشرائية لكثير من المنتجات ومنها الكتب، دون أن يُسعف الوقت في تعافي الوضع بعد زوال الجائحة في أن تنشل المكتبة ذاتها من جائحة الخسائر والصعوبات.
عندما اقرأ بين فترة وأخرى خبر تصفية واغلاق مكتبة أو توقف عمل دار نشر بسبب الآثار المترتبة على كورونا واللامبالاة في دعم أصحابها، أوقن بأن الثقافة تسير نحو الاحتضار في زمن انهيار بعض المؤسسات الأهلية الراعية للثقافة وقد كانت يوما ما الرديف المجتمعي للمؤسسات الثقافية الرسمية، وهو ما يمكن أن يظهر أثره الخطير في القادم من السنوات.
لذلك، على مؤسسات المجتمع المدني، ومنصات الثقافة أن تنتبه لما يحدث حولها، وأن تلتف حول بعضها البعض، وتسند ذاتها مع غيرها سواء المؤتلف أو المختلف مادامت الثقافة هاجسها ومنهجها، لتخرج من عزلتها وانغلاقها في جزر ثقافية لا توجد بينها جسور.
والدعم المنشود لا يتمثل في الجانب المالي، وإنما في اتاحة واشاعة الفرص وتبادل المنفعة وتبني المساحة المشتركة بعيدا عن المقاطعة والاقصاء.
لم يكن بيان مكتبة لوتس الأخير سوى صرخة ضمن موجة من الصرخات التي اطلقها قبلها وربما سيطلقها بعدهم مشاريع ثقافية فقدت الأمل في تحسن بيئة العمل، وكما جاء في البيان من كلمة شكر أخيرة، والتي شملت كل زار المكتبة وشارك في لحظاتها السعيدة وكل من حاول ولم يتمكن ولمن خذل!
لأستعير هنا ما جاء في سرد تلك القصة التي حمل مقالنا هذا عنوانها، ما قاله السارد:
” هنا أنا الآن واتتني اللحظة لكي أكتب لكم، ليس بداعي الفرجة، ولا أريد منكم إشفاقا، فلكم أن توفروا ذلك على أرواحكم البائسة، بائسة لأن روحي جزء من أرواحكم وذاكرتكم المريضة! “.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الرواية التفاعلية وأثرها على الرواية الواقعية

 يكاد يقترب جيرار جينيت من فكرة التفاعل ضمن إطار المناص التأليفي الخاص بالمؤلف الذي حدده بقوله: ” هو تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، المصاحبة لنصها، والعاضدة له شرحا وتفسيرا، فالمناص نص ولكن نص يوازي نصه الأصلي، محققا بذلك نصيته من خلال ميثاقه (التخييلي) مع الكاتب، ومحققا كذلك مناصيته بمعاقدته (طباعيا) مع الناشر، فالمناصية هي ما تجعل من النص كتابا يقترح نفسه (بمصاحباته: النص المحيط، والنص الفوقي)، على قرائه خاصة، وجمهوره المستهدف عامة. ” 

هذا يحيلنا بالأساس إلى مصطلح جيرار جينيت Paratext، الذي تُرجم إلى المناص أو العتبات أو النص الموازي.  

 فالمناص عند يقطين بأنها تلك “البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة، وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا، وقد تنتمي إلى خطابات عديدة، كما أنها قد تأتي هامشا أو تعليقا على مقطع سردي، أو حوار وما شابه”.

وبتعبير سابق لـ(بورخيس) البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو الرجوع منه”.

وهو ما قد يعني، أهمية الدور التواصلي الذي قد تلعبه البنية في توجيه القراءة.

 إضافة إلى Paratext هناك مصطلح جينيت الآخر Epitexte، أي النص الفوقي أو النص الموازي الخارجي، وهو “يكتب بمنأى عن النص، وإن كان جزءا من رؤية كاتبه، ومتصل بعوامله اتصالا وثيقا” . 

 فهذا النوع يتعلق بكل ما له صلة بالكتاب من الخارج، كنقده، وتقديم، قراءة فيه، اللقاءات مع الكاتب، الحوارات، المناقشات، ندوات، تعليقات، مراسلات، مشاركات. وهو بطبيعة الحال، متأخر زمنيا عن الكتاب، أي النص الأساس أو المتن، لأن الكتاب هنا وسيلته النشر الطباعي/الورقي/الخطي. ومع كل نقاط التلاقي، مع النص والكاتب، إلا أن العلاقة هنا بين تبقى منحصرة ضمن تفاعل غير مباشرة. ولأهمية دور التفاعل المباشرعند بعض الكتاب، وبعد ثورة المعلومات، أصبحت هناك حاجة ماسة لتنوع الوسائل والوسائط للسرد، لاسيما وأن السرد متعدد الوسائط كما ذكر جيرالد برنس بأن دانتو و غريماس و تودوروف قرروا أن السرد يجب أن يتضمن موضوعا متصلا ويشكل كلا متكاملا، والوسائط (الميديا) السردية للعرض متنوعة ( شفهية ومكتوبة ولغة من السيميائيات وصور متحركة أو ثابتة وإيماءات وموسيقى أو اية توليفة منتظمة منهم). 

وهذا يتصل بمصطلح آخر، Narrative medium  الوسط السردي، وهو بتعريف برنس: ” مادة المستوى التعبيري للسرد، ففي السرد المكتوب مثلا الوسيط هو اللغة المكتوبة، وفي السرد الشفهي فإن الوسيط هو اللغة الشفهية”. ما يعني أنه يمكن أضافة أنواع جديدة، وسط الصورة كما في الرويات المصورة (الكوميكس) ووسط الصوت (الكتاب الصوتي). 

إذن لدينا منظومة سردية يمكن أن تكون متكاملة، وتحقق خطابا روائيا جديدا يعتمد على جميع أطراف العلاقة، لأعود ثانية إلى يقطين وما يمكن أن يتجلى عن السرد: 

” يتحدد الحكي (السرد ) بالنسبة لي كتجل خطابي ، سواء كان هذا الخطاب يوظف اللغة أو غيرها. ويتشكل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة، تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها وعناصرها. وبما أن الحكي بهذا التحديد متعدد الوسائط التي عبرها يتجلى كخطاب أمام متلقيه، نفترض – على غرار ما ذهب إليه بارت – أنه يمكن أن يقدم بواسطة اللغة أو الحركة أو الصورة المنفـردة أو مجتمعة بحسب نوعية الخطاب الحكائي ”  . 

بهذا لم تكن التكنولوجيا، لوحدها سببا في تأسيس مفهوم الترابط النصيالذي يتصل بمفهوم التفاعل النصي سواء مطبوعا أو الكترونيا، وإنما أيضالتقديم رؤية مختلفة عن العالم، والاندماج معه، والخروج عن أي وصاية على النص، ليس بعد انتاجه، بل قبله وأثناءه، فكانت الحاجة لنص آخر، أكثر انتاحية وفعالية من قبل المتلقي.

فهل تحتاج الرواية العربية الجديدة لذلك؟

ذكر شكري عزيز الماضي في كتابه ( أنماط الرواية العربية الجديدة ) أنه من البداهة القول، إن الرواية الجديدة ، تعبير فني عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان، تسعى لتأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد، مستندة إلى جماليات التفكك تماهياً مع تشظى الأبنية المجتمعية، وفقدان الإنسان وحدته مع ذاته.

كما يشير إلى أن الرواية الجديدة لا تمتلك لغة واحدة ، بل نلحظ أحياناً تمرداً على اللغة وتراكيبها المألوفة وقواعدها، ثم إن الشكـل في الرواية الجديدة ليس قالباً جاهزاً يلقى على التجربة  فيحتويها ، بل شكل ينمو من خلال التجربة ويخضع لمتطلباتها ، بمعنى أن الشكل تجريبي يخلقه كل من المؤلف والقارئ ، ولذلك فالتصميم المتناثر للرواية الجديدة ينطوي في داخله على دوائر دلالية جزئية تمكن القارئ من استخلاص الدلالة الكلية للرواية وأهدافها من خلال علاقتها بحركة الواقع/ العالم. 

ففي عالم بات مفتوحا على الآخر، ومتجاوزا كل حدود السلطة والرقابة، بات المبدع العربي يجد نفسها مضطرا إلى أهمية انفتاح النص والتشابك مع حرية اختيار الآخر لتلقي النص، في تحديث تقنيات الكتابة والخطاب، وتنوع الوسيلة والوسط. فوجد الفرصة متاحة في أن يمارس حريته النصية وتحرره من سلطة الرقيب والنشر، فاتجه الكاتب والمتلقي معا إلى عوالم جديدة، فبمحاذاة النص الروائي، باتت هناك بنية روائية جديدة تتطلب وعيا بأهمية النص المترابط أو التشعبي hypertext ، والفنيات المرتبطة به، حيث تحول العمل الروائي بكل تقنياته الكتابية مع تقنيات جديدة بصرية، صوتية، وغيرها إلى روابط نصية. 

وقد عرفت اللغة العربية النص المتشعب أو المتفرع في شرح المتون والحواشي المتفرعة وحاشية الحاشية، ولا يبدو النص المتشعب فقط في المتون والحواشي وأسلوب الاستطراد بل يبدو تشعب النص في المقالات المعروفة للقارئ والناقد. كما أن فكرة التفاعل متحققة فعلا في تعليقات القراء ومداخلاتهم على النصوص المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي. كما يذكر الدكتور بسيوني : “أن النص التشعبي سبق الأجهزة الحاسوبية وشبكة المعلومات عندما اقترحه فانيفار بوش عام 1945 بفكرة توفير المعلومات الجماعية والمرنة في نظام يسمح للمستخدم بتنظيم طريقة معلومات ذات طبيعة مختلفة، بمعنى أنه تنظيم من قبل فكرة القارئ بخيال أكثر حرية واقل تقييدا في القراءة.”

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت الرواية عملا منشورا، وقرر الكاتب إعادة إنتاجها عبر تجريب الرواية التفاعلية، هل يمكن أن نسميها بعد ذلك تفاعلية؟

كذلك، إذا كان الرواية بالأصل تفاعلية، وتحولت للنشر الطباعي، هل فقدت تفاعليتها؟

ثمة أسئلة تحتاج مرانا كبيرا واطلاعا واسعا على مزاجية وانتقائية المتلقي، لأنه في الحالتين سلطة لا مناص منها و إليها.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

كأس العالم ببشت خليجي

على مدى شهر تقريبا، قضى العالم وقتا ممتعا وحماسيا مع الساحرة المستديرة، في مهرجان رياضي دولي عبّر عن حاجة البشر إلى فسحة قصيرة لالتقاط أنفاسه وايقاف الزمن لبُرهة، لينسوا فيها الصراعات ووجوهها المختلفة، ونذر الحرب النووية، ليعيش متنفسا جميلا متمثلا بلعبة كرة القدم التي أطلق عليه الفيلسوف الايطالي غرامشي (مملكة الوفاء البشري التي تمارس في الهواء الطلق).

ما يشدك في مشهد افتتاح البطولة الدولية التي أقيمت في الدوحة، هو ذلك الحوار المُدهش بين الممثل العالمي مورجان فريمان والشاب القطري المعجزة غانم المفتاح الذي افتتح الحوار بقوله تعالى:” يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكم”.

فيقول مورغان: “أرى الآن أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. كيف يمكن أن نديم التوافق أكثر وأكثر”. فأجابه الشاب القطري: “بالتسامح والاحترام يمكن أن نحيا معاً تحت سقف واحد”.

وهذا ما عملت عليه دولة قطر من بداية استعدادها لتنظيم بطولة كأس العالم، وكيف يمكن أن تنسجم البطولة الدولية مع طبيعة وعادات أهل البلد والمنطقة في تحدٍ كبير لكل ما سبق من مظاهر واحتفالات الدورات السابقة للبطولة في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا.

فبالتسامح والاحترام فرضت قطر هيبة هُويتها وثقافتها العربية والإسلامية، فلا يعلو أي اعتبار على هُويتها وخصوصيتها، سواء ما تجسّد في حفل الافتتاح أو أثناء الدورة وصولا إلى حفل الختام حيث حرصت على حضور الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي مرتديا الكوفية الفلسطينية وملقيا كلمة تعبر عن أهمية حق الشعوب في السلام والوجود.

ولأن قطر آمنت بأهمية اعتزاز الإنسان العربي بمبادئه وهويته، جعلها ذلك عرضة لهجوم كثير من الصحافة والأقلام الغربية محاولة تقليل أهمية البطولة الحالية أو مصادرة فرص نجاحها. فكان الرد الحاسم على أرض الواقع بالتنظيم المتفوق على مستوى عالمي غير مسبوق بإشراف قطري محترف جدا، ليكون مبعث فخر كبير لأبناء الخليج. وهو ما اكتمل رمزيا في نهاية تتويج المنتخب الأرجنتيني بإلباس اللاعب العالمي ليونيل ميسي البشت الخليجي كدلالة على نجاح البطولة على أرض الخليج، وردا على كل من شكك بقدرة قطر على تنظيم البطولة، ورسالة بأن دول الخليج العربية ليست فقط منتجة للنفط، بل صارت مركزا للثقافة والفن والرياضة على مستوى العالم أجمع.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

في اليوم العالمي للفلسفة

يحتفل العالم بيوم 19 نوفمبر بالفلسفة، لكونها محركة العقل البشري والحوار الحضاري بين الأمم. ويمكن اختصار الفلسفة بأنها حبُّ الحكمة، أي التوازن في التفكير والاعتدال في التعامل مع وجهات الرأي المختلفة وبعد النظر في رسم المستقبل.

وللفلسفة مجالات كثيرة، وتفرعت منها علوم شتى، لهذا عندما يصل طالب العلم إلى درجة الدكتوراه PHD فهو حاز درجة الدكتوراه في فلسفة المجال العلمي الذي تخصص به. ولكن العبرة في الاستمرار بالبحث العلمي و التحليل الفكري لقضايا البشرية، عبر بحوث ودراسات واصدارات تكون شاهدة على الإرث الفلسفي له.

ومع ذلك، ليست الفلسفة حكرا على باحثي ودارسي كليات وأقسام الفلسفة، وإنما هي مشاعة لكل من تخصص في مجاله وقدّم نظريات حديثة وساهم في تعديل مسار تحليل الفكر العلمي مما له دور في تنمية الوعي المجتمعي.

فالفيلسوف إنسان مبدع بطبعه، فهناك الفيلسوف الشاعر، الروائي، المسرحي، الفنان، الناقد.

أخيرا.. حول فكرة الفلسفة أعجبني ما قاله امبرتو ايكو عن سبب غزارة انتاجه، فرد قائلا:

“أعطاني إياها أحد أساتذتي عندما كُنت فتياً. إذ قال لي يوماً: يجب أن تعرف يا أُمبرتو أننا نولد وفي رأسنا فكرة واحدة، وأننا نعيش كل حياتنا ساعين وراء تلك الفكرة بالذات. أذكر أني أعتقدتُ يومذاك أن أستاذي هذا في غاية الرجعية لإلغائه كل احتمالات التغيير لدى الإنسان. لكني إذا رحتُ أنضج، اكتشفتُ أنه على حق، وأني طوال حياتي لم أسع إلا وراء فكرة واحدة فقط لا غير: المشكلة هي أني لم أعرف بعد ما هي تلك الفكرة! لكني متفائل وآمل في اكتشافها قبل موتي.”

إذن الفلسفة هي بحث عن فكرة واحدة تشغل عقلنا منذ ولادتنا، وقد لا نجدها، دون أن نتحول لظاهرة صوتية تجتر من الفلسفة اسمها المجرد فقط. ولعل هذا كان سبب سخط جان جاك روسو من كثير ممن انتسبوا للفلسفة أو احتسبوا عليها بقوله: “امتلأ الفكر الفلسفي بترهات يخجل منها المرء إذا نزع عنها زينتها الكلامية”!

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الإعلام الشعبي المطلوب

في خطاب وثيقة العهد الجديد الذي تفضّل به سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله في افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي السابع عشر، جاء تأكيد سموه على دور الإعلام وأهمية المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، بتفعيل دورها المطلوب في مراقبة الأداء البرلماني والحكومي. لهذا وجّه سموه الجهاز الإعلامي في الحكومة ممثلة بوزارة الإعلام باعتبارها إعلاما ملكا للشعب وليس إعلاما خاصا للحكومة، بأن تقوم وكافة أجهزتها بعقد ندوات من خلال ملتق شعبي لاستعراض كل ما يعرض في مجلس الأمة أو مجلس الوزراء من مشاريع وقرارات تهم المواطنين، بهدف المناقشة والاطلاع من قبل المواطنين ومعرفة ما تم تشريعه وتنفيذه وإنجازه.

المتأمل لما احتواه خطاب سمو ولي العهد بما تعلّق بدور الإعلام هو توجيه لكي يفعّل الإعلام الرسمي دوره المفترض في أن يكون حلقة الوصل الشفافة والوسيط الفعّال بين المواطن والمشرّع والمسؤول، عبر حوارات مباشرة وبرامج إعلامية تؤكد على السقف العالي في ابداء وجهات النظر وتحمل مسؤولية هذه الحرية في ايصال رسالة المواطن لمركز القرار وما وقف عليه من ملاحظات و تعليقات على أداء الحكومة والمجلس و المشاريع المتصل بهما، وهو ما كان فاعلا في سنوات ماضية كانت فيه مساحة كبيرة للبرامج المتفاعلة مع قضايا المجتمع وهمومه و طموحه بعيدا عن المدح في غير محله والنقد غير البنّاء.

من يتابع مسيرة الإعلام الكويتي في ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين سيجد كما من البرامج النوعية التي كانت تتصل باهتمامات المواطن اليومية، وما يصبو إليه في هذا الوطن. كانت المساحة كافية لايصال الصوت بشكل مباشر وموضوعي دون حساسية أو قلق أو توتر من نقد المواطن وملاحظاته. ولعل خطاب سمو ولي العهد ركّز على النتيجة المرجوة من عودة الإعلام لملكية الشعب لمعرفة أوجه القصور والخلل في أداء الحكومة والمجلس وتحديد من تقع عليه مسؤولية تأخيرها أو عدم تنفيذها، لتحقيق الهدف الرئيس بأن يكون كل المواطنين طرفا شعبيا مشاركا في متابعة ومراقبة أعمال مجلس الأمة والحكومة وشركاء في عملية تصحيح المسار، كما جاء في خطاب سمو ولي العهد حفظه الله.

وعلى هامش خطاب سمو ولي العهد حفظه الله، لابد من الإشارة إلى أن الوعي المنشود غير مقصور على أجهزة وزارة الإعلام، وإنما أيضا يشمل الصحافة المهنية ومؤسسات المجتمع المدني وأنشطة الثقافة والفنون والمسرح لكونها المنصات الأولى في تاريخ الكويت التي تعبر عن هواجس المجتمع وتطلعاته و ملاحظاته وترصد تنامي وعيه. وتاريخ الثقافة في الكويت حافل بتلك الروح المنسجمة مع مبادئ وطنها ودستور البلاد قبل أن ندخل عصر الإعلام الاجتماعي وما سببه من فوضى المفاهيم وتسطيحها، لتتجاهل الأغلبية من الناس دوره المفترض في التحاور والتواصل الهادف واقتصروا على الجانب الاستهلاكي والتطرف في التداول.

إن دعوة سمو ولي العهد لتفعيل دور الإعلام الشعبي هو ادراك لأهمية استشعار حس المسؤولية من الجميع، ودفع كل مظاهر التشدد والتطرف بالكلمة الحسنة وما هو أحسن وأسلم لاقامة حوار عقلاني بين أبناء المجتمع الكويتي.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

صناعة التفاهة -١

في مستهل الموسم الحادي عشر للملتقى الثقافي المنعقد في بيت الأديب طالب الرفاعي، أقيمت جلسة مناقشة كتاب (نظام التفاهة) للمفكر الفرنسي آلان دونو، بحضور مترجمة الكتاب أستاذة القانون في جامعة الكويت الدكتورة مشاعل الهاجري. بدأت الجلسة بورقة للدكتور حامد الحمود كمراجعة سريعة للكتاب، وضع من خلالها جملة ملاحظات على الكاتب والكتاب، ثم فتح باب النقاش لحضور الملتقى. وفي خضم هذه الجلسة المهمة، كانت جملة من الأفكار تدور في ذهني سبق لي أن أثرتها في حوارات عدة، حول نظام التفاهة كواقع جديد مفروض على المجتمعات البشرية في زمن هو أقرب لحرب نووية محتملة نتيجة صراع الأقطاب في العالم، ولعل تسيّد التفاهة بدأ مع ارهاصات ما بعد الحداثة، حيث تمت إسالة الكثير من القيم والمنظومات والمصطلحات الحداثية في بوتقة لشكل العصرية الجديدة الداعية في مجمل أطروحاتها للقطيعة مع التاريخ الفكري للإنسان و النظم الأخلاقية المؤسسة للمجتمع الإنساني و الدخول في صراعات الهويات الصغرى. ما يحدث اليوم من التسليع الاستهلاكي للزمن، هو بداية طريق نحو انهيار شكل العالم والعيش الإنساني كما يذكر زيجمونت باومان في (الحداثة السائلة) ضمن سلسلة السيولة.
إن ما نشهده في عالمنا اليوم هو صناعة الاستهلاك التي تعتمد على صناعة التفاهة في تذويب كل منصات التفكير الناقد و تقليص مساحة تداول الخطاب العقلاني في العلاقات القائمة على الفعل البشري، فباتت المادية هاجس وغاية الغالبية من الناس للحياة في ظل الشكليات والمظاهر على سطح وجودهم، وهو ما ساهم في تسطيح الكثير من الوسائل، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تقود الرأي والذائقة العاميين إلى المزيد من التشتت الفكري والنفسي والاجتماعي، على المستوى الفردي والجماعي. لذلك، بدا اليوم الحديث عن التفاهة بأنها شكل من أشكال النظام الجديد، وخطاب بديل عن الثقافة المُنتجة.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الرسم بالكلمات مع إسماعيل فهد إسماعيل


كانت القضية الفلسطينية أكثر حضورا في القصة من الرواية، لكون القصة هي الأسبق وجودا وكثافة في الفن السردي الكويتي منذ خمسينيات القرن العشرين، حيث شكّلت فلسطين مبدأ والتزاما لدى الكثير من كتّاب القصة في الكويت، فانتشرت عشرات القصص عنها في مجاميع قصصية عديدة لهم.


ولأن الأستاذ الراحل إسماعيل فهد إسماعيل المؤسس يعدّ المؤسس الفعلي والفني للرواية في الكويت مطلع السبعينيات، كان أكثر من حرص على حضور فلسطين إنسانيا في أعماله، عبر شخصيات فلسطينية، إما واقعية كناجي العلي في روايتي ( في حضرة العنقاء والخل الوفي ) و ( على عهدة حنظلة) ، أو شخصيات متخيلة مشاركة في رواية ( الشيّاح ) و رواية ( الحادثة 67) بما تعبّر عن الإنسان الفلسطيني الواقع تحت مطرقة الشتات وسندان السلطة مما يعبّر عن واقع عربي حتمي ومستحق ، يستظل به الكاتب العربي نشر قضاياه ، مخاطبا الجيل الآتي من الكتاب والقراء في أهمية تمركز هذا الجرح العربي في كتاباتهم .

في رواية ( ملف الحادثة 67 ) ، وقد قدمت كمسرحية من جانبالفرقة القومية التونسية لتنال جائزة مهرجان قرطاج قبل سنوات . يدوّن فيها إسماعيل تفاصيل التحقيق الذي أُجري لبطل روايته وهو خباز من أصل فلسطيني، حيث يتهم بجريمة قتل لشخص فلسطيني أيضا في سرد اعتمد خطي استجواب الحاضر واسترجاع الماضي. ليحاول التحقيق المنشغل بصخب المذياع المرسل لمختلف أنواع الأخبار اثبات تهمة الجريمة على شخص لم يرتكبها في يوم من الأيام فقط لأنه فلسطيني. والمتلقي لهذه الرواية يسبر أغوار عمق الرواية في ما يراه الكاتب من محاولة التاريخ الصاق تهمة الجريمة/ الهزيمة بضحايا الحرب أنفسهم، من شرّدوا و قتلوا وأسروا ودفعوا ثمن التهجير وفاتورة الحرب دون غيرهم. وما رفض المتهم من الاعتراف بالجريمة، إنما شريعة المحقق ليستمر عليه العذاب. ” استمرار الرفض هو استمرار التعذيب”. حتى يصل فيها التحقيق إلى نهايته حيث اعترف آخر تحت التعذيب بأنه الجاني للحادثة 67 ليصرخ الخباز: “أنا لم أكذب يا سيدي.. القاتل.. النيابة.. هو الذي يكذب.. القاتل هو الذي يكذب”.

في رواية (الشيّاح)، يرسم لنا إسماعيل ملامح الإنسان الفلسطيني بأجيال مختلفة لشخصيات أربع هم ( بولص، حنا، إبراهيم، أسعد) ، حيث لجأوا إلى بيروت بعدما نجوا من مذابح العصابات الصهيونية والتهجير القسري، ليقعوا في طاحونة الحرب الأهلية اللبنانية، وما كان السرداب الذي اختبأت فيه شخصيات الرواية، سوى مكان ليرصدوا العالم من أسفل، تتقاطع بين شوارعه نوازع حرب الإنسان ضد أخيه الإنسان، إبن وطنه و أرضه، وسط قناصة الحصار و قصف الصراع الداخلي بين الشخصيات فيمن يخرك كل مرة حتى يجلب المؤونة، مع تقصي الخبر من أعلى خارج خبر المذياع من أسفل، حتى تحين لحظة تنفيذ الأربعة لخطة الانقضاض على المسلحين، فيسقط بولصقتيلا دون فائدة من خبرته القتالية، ويُجرح حنا الذي يحمله إبراهيم لاسعافه عند المقاومة، ليبقى أسعد الذي كان تائه بأفكاره في عتمة السرداب ، يرعى وحيدا أربع نساء ومراهقة وطفل، حتى يسقط أخيرا هو الآخر على الأرض مضرجا بدمه. ” الخدر يزحف من أطرافه صعودا إلى الجذع. مع الخدر تملكه إحساس جديد بالسكينة، فصفا ذهنه. ” الملحمة الشعرية بحاجة لاعادة نظر جذرية !” وشعر للمرة الأولى بأنه فلسطيني، ليس كما كان في نابلس أو عمّان أو بيروت” .

وعن سباعية (إحداثيات زمن العزلة)، يذكر إسماعيل فهد إسماعيل في عدد مجلة العربي 497 تحت عنوان ( الغزو والرسم بالكلمات) شهادة للتاريخ ومنصفة عن الفنان الفلسطيني إسماعيل شمّوط الذي كان مقيما في الكويت:

” حدث الاحتلال. الانشداه والذهول، وكان أن تداعت أصوات طيبة.. فلسطينية وأخرى كويتية لتشكيل لجنة تهدف للتنسيق والتعاون ما بين الكويتيين والفلسطينيين من أجل تحقيق وحدة صف ناس الداخل لمواجهة العدو المشترك. شاءت المصادفة أن أكون أحد أعضاء اللجنة، وشاءت أن يكون الاجتماع الأول في منزل الرسام الفلسطيني العالمي.. عضو المجلس الوطني الفلسطيني: إسماعيل شموط، في منطقة الجابرية.. كان ذلك في اليوم الثامن للاحتلال، وعندما انفض الاجتماع استبقاني إسماعيل لدقائق. أخذني من يدي لإحدى صالات منزله حيث مرسمه. أراني لوحة زيتية قيد العمل.

قال والأسى يغلف صوته: “أنا عاجز عن مواصلة الرسم” صمت برهة. أضاف: “لعل السبب يكمن في توالي هذه الأحداث الجسام التي يعجز العقل السليم عن استيعابها” كانت زوجته الفنانة السيدة تمام قد التحقت بنا حاملة صينية الشاي.. خلال جلسة الشاي انفرجت أسارير إسماعيل قليلاً. قال بما يقرب من الدعابة: “ما رأيك والغزو قائم أن تتحول أنت إلى الرسم، وأتحول أنا إلى الكتابة؟!” لم أر مانعاً عن الاستجابة وقتها: “وهو كذلك”.. اللجنة باجتماعاتها المتواصلة. وما عن لأحدنا أن يسأل بهذا الخصوص.. أشهر الاحتلال، ومن ثم الحرب الجوية، فالبرية.. صبيحة اليوم الثاني للتحرير دخل علي إسماعيل شموط حاملاً مجلداً ضخما من الأوراق المطبوعة على الكمبيوتر. قال ضاحكاً: “وفيت بوعدي وكتبت”.. فوجئت بالوزن الثقيل للأوراق التي جاوز عددها أربعمائة. تذكرت اتفاقنا الذي هو أشبه بالدعابة. قلت: “لكني لم أرسم!” ضحك ثانية. قال “أدري!”، أضاف: “لعل جهدي هذا يفيدك كروائي”.

تصفحت الأوراق بعد ذهابه. وجدتها كنزاً لا مثيل له. كان قد حرص على تسجيل أهم الأحداث والأخبار المتعلقة بالاحتلال والحرب يوماً بيوم، سواء منها ما يخص الداخل أوالخارج، لم يترك شاردة ولا واردة.. لحظتها راودتني فكرة أن أكتب رواية تدور بأحداثها حول الاحتلال.. انكببت على حالي أكتب لأعوام ستة دون أن تفارقني أوراق إسماعيل شموط. كانت مصدراً أساسياً فريدا لإلهامي، ورفدي بما يلزمني من معلومات، ريثما تحققت رواية “إحداثيات زمن العزلة”. “

أما ( على عهدة حنظلة)، حيث يبدأ السرد بصوت ناجي العلي في غيبوبته بعد حادثة الإغتيال، وهو يصارع الموت في رحلة تعيده للخلف، مع تاريخه، سيرته، رفاقه، أفكاره، ويدخل في حوارات متخيّلة مع الذات والآخر، في عالم حليبي ضبابي، حيث المكان، لندن، مدينة ضباب المنفى، والزمان، ضباب المرحلة الفاصلة في مسيرة الحياة والنضال، مع رفاقه، إميل حبيبي ورسائله المتوالية، وحنظلة الصغير الذي يسبق حلمه بحاضره الهارب منه. لتتشكل لديه شخصية استوحى اسمها من ثمرة الحنظل، حيث المرارة التي لا تغتفر، كما هو حال مهنته كرسّام كاريكاتير يعيش واقعا مريرا ساخرا، على هيئة طفل/ مستقبل يحدق في عبر لحظة ما من تاريخ أمته العربية. ليتنقل ناجي الغارق في غيبوبته الجسدية، الحاضر في غيبوبة جسد أمته، بين مراحل مختلفة من حياته، ما بين الاسترجاع والعودة للحظة فقدان الوعي : “غبت عن  الوعي أو غبت فيه .. أشبهني كمن رحل غفلة في عدم غير محدد ليعود منه”. 

وبعد، هذه بعض النماذج من روايات إسماعيل فهد إسماعيل، وهي الأغنى  في حضور فلسطين سردا وجرحا عربيا وإنسانيا، لعلنا نوفي إستاذنا بعضا من حقه علينا، مؤكدين حرصنا على تشجيع الشباب العربي في استحضار فلسطين إبداعا وهوية وتاريخا في ضمائرنا وكتاباتنا وإبداعاتنا. 

فهد توفيق الهندال

معرض عمّان الدولي للكتاب 

5 سبتمبر 2022

التصنيفات
مدونتي

القضية المركزية الغائبة

شكلت الثقافة على مدى عقود عديدة ثُقلا فكريا وزادا معرفيا في وسائل الإعلام التقليدية عبر ما تقدمه من حوارات مع المثقفين والمبدعين ومطالعات الكتب والتراجم والتحقيقات والاستطلاعات والمقالات وكل شؤون الثقافة التي احتضنتها أعرق الصحف العربية والعالمية ، لكون الثقافة رافدا مهما في بناء المجتمعات ومحيطا لا يمكن الخروج عن نطاقه في أي حال من الأحوال .

ولأهمية الثقافة ، كانت الدول الكبرى تعدها سلاحا متطورا من أسلحة المواجهات السلمية التي بموجبها يمكن تغيير نمطية تفكير المجتمع من الاستهلاكية إلى المنتجة.

واستمرت الثقافة في كثير من المجتمعات المدنية على خطاها المستقل المعتدل برغم المحاولات المستمرة لأدلجتها واقحامها في أنواع من الصراع ، فصمدت، ولكنها بدأت تضعف مع الوقت ، فسيل الاستهلاك العرم يجرف كل ما هو على السطح ما عدا قمم المكان .

واليوم باتت مادة سهلة التناول وسريعة التداول بفضل وسائل التواصل الاجتماعي بعدما دخلت دوائر المنافسة بين الوسائل الإخبارية والبحث عن الحصرية في تبني الخبر دون أن يعني ذلك دائما  البحث حول مصادره أو التدقيق في صحتها ، فبات بعض أخبار الثقافة لا يختلف عن أخبار الفن والرياضة والمجتمع بما يهدف منها الإثارة أو ” الخبطة الصحفية ” أو ” ترند” لمدة قصيرة جدا تنتهي سريعا ، على خلاف القضية الثقافية التي تستمر أسئلتها وآثارها باستمرار أهمية طرح الموضوع على بساط الحوار والبحث عن أجوبة حقيقية ليس مؤقتة أو معلبة وهو ما يعني أن يكون القائم على العمل ينطلق من مسؤولية الكلمة واعيا بآثارها لاحقا .

فالعمل الثقافي لا يحتمل أن يكون خبرا عابرا أو ضجة مفتعلة أو إشاعة مثيرة ، وإنما يحمل في طياته قضية عميقة تحرك ما سكن وتثير الغبار عن كل الحقائق المرة . فالحقيقة يمكن اختبارها عندما لا يأخذ أي شخص على محمل الجد بأن الحقيقة تكمن في أمور صغيرة، يمكن الوثوق بها في الأمور الكبيرة ، كما يذكر اينشتاين.

اليوم، وفي زخم وقلب الحملات الانتخابية، غابت القضية الثقافية عن أجندة المرشحين، فقد اكتفى الجزء الأكبر منهم برسم طموحاته وأحلامه ونقد المشاريع السابقة والحالية دون بصيص حلول أو معالجات أو مشاريع بديلة. فقد غابت الكثير من الهموم الثقافية عن برامجهم الانتخابية وستبقى كذلك في عدم القناعة بأهمية تحويل الثقافة كذراع اقتصادي مهم، وسياحة داعمة للسياحة الاجتماعية و رديف فكري للسياسة داخل وخارج البلاد. والأمر الذي استغرب منه فعليا، هو ابتعاد جمعيات النفع العام عن التعاطي بالشأن السياسي مرغمة وهو موضوع الساعة إلا اللهم بعض الجمعيات التي حملت على عاتق مسؤوليتها دعم الوعي السياسي !

فكيف اذن تؤدي دورها المفترض في توعية وتثقيف المجتمع، لذلك غابت المناظرات المفترضة بين المرشحين، واختفى الهم الثقافي من خارطة اهتماماتهم الانتخابية. وللحديث بقية.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

المجلس الأعلى للثقافة

تناقلت بعض الأخبار المحلية نية مجلس الوزراء برئاسة سمو الشيخ أحمد النواف الصباح بانهاء مراسيم عدد من الهيئات والمجالس العليا، لاعادة تقويم مسارها واعداد خطط و رؤى جديدة للوطن على كافة المستويات، بما يتواءم مع رؤية الكويت 2035 والتي تحتاج مزيدا من التقييم والتصويب لما اعتراها من قصور في المرحلة السابقة. من ضمن هذه الهيئات المزمع اعادة تشكيلها، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، والذي يتطلب وجوه جديدة وشابة من أبناء الكويت من الأدباء والفنانين من ذوي الانجاز والمشاريع الثقافية التي أثبتت حضورها على المستوى المحلي والعربي.

إن ما تمر به الكويت اليوم هو مرحلة عنق الزجاجة، إما تستعيد ريادتها الثقافية في المنطقة، وإما تبقى في ركب متأخر عن الدول التي سبقتنا بأشواط عديدة في تنويع وخدمة الثقافة والمثقفين من خلال مشاريع جديدة ورؤى متطورة وضعتهم في مقدمة الدول الراعية والحاضنة لابداعات ومشاريع المبدعين والمثقفين. نحن لا نتحدث عن دعم مادي بحت، بقدر ما نتحدث عن دعم معنوي يتمثل باتاحة الفرص وتطويع مباني الدولة الثقافية لهم والمشاركة في صنع القرارات والرؤى الثقافية المستقبلية، عبر تنوع المجالات الثقافية، والأخذ بالاعتبار بمنجزهم الثقافي وخبرتهم في المشاركة الجادة في المحافل الثقافية داخل الكويت وخارجها، وأن ينتموا لجيل قادم يستحق اتاحة المجال له في عضوية المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، والمجلس الأعلى للتخطيط، والمجلس الأعلى للتعليم، لكون هذه المجالس هي المشكّلة لمستقبل الإنسان في الكويت.

إن قرار مجلس الوزراء باعادة النظر باستراتيجية رؤية الكويت 2035 وتصويب ما قد اعتراها من قصور وتأخير دليل جدية الحكومة الجديدة في اصلاح الكثير من القضايا العالقة، ومنها القضية الثقافية التي لا تقل أهمية في رسم معالم وملامح مستقبل التنمية الثقافية كرأس مفكّر لخطة التنمية العامة وليس تكملة عدد. فلا تنمية من دون وجود افكار جديدة ومشاريع شبابية تقود المشهد الثقافي نحو التميّز و الفرادة، وليس اعادة الريادة فقط. فاليوم تحتاج الثقافة لهندسة معينة تحولها لمنتج وصناعة وسياحة، وهذا يتطلب الكثير من العقول النابضة بالقدرة على التأسيس الحديث والتفكير الناقد و الباني والمتحمّس والجاد.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الغباء يصنع نجومية أيضا!

 

في كتابه الفريد من نوعه ( العامل الحاسم ) يطرح إريك دورتشميد مجموعة من المواقف واللحظات التي لعب فيها الغباء والصدفة – معا أوأحدهما – دورا في تغيير مجرى التاريخ. منها على سبيل المثال، إصرار نابليون بونابرت على خوض معركة واترلو التاريخية وهو مصاب بالاسهال ، الأمر الذي بلا شك أثر على مجريات المعركة لصالح أعداءه . الجميل في الكتاب أنه يعقد علاقة وثيقة بين الصدفة والغباء ، ولا يعني بالضرورة ذكاء الطرف الثاني بقدر ما هو استغلاله لموقف الأول الذي لا يحسد عليه ، وكلاهما ما كانا ليلتقيا بالحظ لولا عامل الصدفة بينهما . لهذا كان عاملا حاسما مغيرا لوجه الواقع والتاريخ معا . فربما جمعت الصدفة الإسهال العـرضي الذي أصاب نابليـون في ليلة المعركة التاريخية مع أعدائه ، لكن ليس بالضرورة أنه أغبى منهم أو هم أذكى منه، مع أن لنابليون مقولة شهيرة “في السياسة ، الغباء ليس عائقا” !

ولا تختلف ساحة الحرب عن ساحة السياسة، فهناك من هو أسوأ من نابليون في التخطيط والتبرير والتصريح، منهم أحد المرشحين لانتخابات ولاية تكساس الأمريكية في احدى السنوات، حيث هاجم أحد خصومه بالقول : “هذا الأحمق يستحق أن يركله جحش حتى الموت ، وأنا الرجل الوحيد القادر على ذلك ! “

وقد يلتبس علينا الأمر ولا نفرق بين خيانة التعبير أو الحظ في التلفظ، كما حدث مع نائب الرئيس الأمريكي والمرشح الأسبق للرئاسة آل غور عندما تبنى البيئة مشروعا طويل الأمد في حياته قائلا : “التلوث ليس هو السبب في أذى البيئة ، بل مجموعة من الشوائب في الماء والهواء ! “. فهل خانه التعبير أو الحظ معا، فيحسبه البعض غباءً؟

فكيف يمكن أن يفسر العلم ذلك ، وهو أيضا له نصيب مع الغباء ؟

سئل مرة ألبرت آينشتاين “من هو الغبي ؟ ” فرد قائلا : ” الغبي هو الذي يتسبب بأضرار لغيره أو لنفسه دون الحصول على أي مميزات تعادل هذا الضرر” ! ولدى فوزه بنوبل ارتجل كلمة ليدعم نظريته النسبية، فقال: “هناك شيئان لانهائيان ، الكون وغباءالإنسان ؛ وبالنسبة للكون فأنا ما زلت غير متأكد تماما ” !

ربما ألهمت نظرية النسبية ملكة جمال آلاباما السابقة عندما سألتها لجنة التحكيم: ” إذا ما استطاعت أن تعيش للأبد فهل تقبل ؟ ولماذا؟”

فكانت الإجابة المذهلة دون تلقين أو جهاز أوتوكيو التي ربما أهلتها لتكون ملكة جمال أمريكا عام ١٩٩٥ : “لن نعيش للأبد لأنه لا يجدر بنا أن نعيش للأبد لأنه لو عشنا للأبد فلسوف نعيش للأبد ، لكن ليس بوسعنا أن نعيش للأبد لهذا لن نعيش للأبد! “. قد يكون لهذا النوع من الأجوبة دور في خلق نجومية غير مقصودة ، بسبب غفلة من التاريخ والوعي البشري!

وعلى ذكر ولاية ألاباما ، فما زلت استحضر ذلك الفيلم الجميل للممثل الرائع توم هانكس ( فورست غامب ) وهو الإنسان الريفي البسيط من تلك الولاية والذي يعاني تدنيا في درجة الذكاء ، كيف صنع قدره بنفسه ، وقدر غيره من باب الصدفة التي جعلته بطلا ونجما في مجتمعه ، وربما غبيا في عيون الآخرين. غير أني أرى أن هاجس التفكير البسيط هو الذي دفعه لإنقاذ مجموعة من الجنود المصابين في إحدى معارك فيتنام أثناء بحثه عن صديقه الوحيد بوبا ، أو كيف سرق منه ألفيس بريسلي رقصته المضحكة لتصبح إحدى حركاته الراقصة الشهيرة ، أو كيف قطع أمريكا عرضا وطولا ركضا على مدى عامين لمجرد أنه شعر برغبة بالركض وليس كما روّج أنه يتبع خطا فكريا أو اجتماعيا أو توعويا كما تهيأ لمتابعيه وملاحقيه ، أو كيف أصبح نجما في كرة القدم الأمريكية فقط لأنه يركض سريعا وبعيدا خارج حدود الملعب ، أو عندما تفنن بلعب تنس الطاولة فقط لأنه يراقب الكرة جيدا ، أو كيف أبلغ السلطات الأمنية عن إضاءة مزعجة في أحد المكاتب القريبة منه ولا تدعه ينام فكان سببا في كشف فضيحة ووترغيت التي أطاحت برئاسة نكسون ، وغيرها من المواقف التي يظن البعض أنه بسبب تدني ذكاء ومعرفة غامب ، بينما قد أيضا تدل على غباء الآخرين وكيفية التقاطهم للموضوع .

إذن الغباء جزء من علاقة أفراد العالم فيما بينهم ، لا يمكننا أن ننكرها ، أو نقلل من شأنها ، قد يخفيه الحظ وقد تجعله الصدفة بطلا أو نجما مؤثرا، تعتمد على درجة وعي المتلقي، وقدرته على تمييز ماهو قائم بفعل الحظ ، وما جاء بمحض الصدفة وما يظنه المتذاكون عبقريةً منهم في أن يروا غيرهم اقل منهم ذكاء فيما يتداولونه من ألفاظ وعبارات انتزعت من سياقات ليست لهم، ويعيدون تدويرها وكأن الناس لا يعون ذلك.

لذلك، من اعتقد أنه الأذكى، كان هو الأغبى. ولله في خلقه شؤون .

فهد توفيق الهندال