يعلق باختين مرة ، أن الفكرة يقدمها الكاتب الروائي ، في وصف لها – الفكرة- لا في وصف لحياة البطـل. في حين يشير بيرسي لوبوك إلى إن تقديم الحكاية يكمن في وعي الأشخاص فيها وهناك حاجة إلى شخص معين يفترض فيه أن يقص علينا كيف مرت القصة كلها ، و لا يتعين أن يكون هذا الشخص هو المؤلف أو أي شخص آخر بعينه ، إلا أنها على الأقـل لابد أن تُقـص علينا من وجهـة نظر شخـص معين يقـوم بحكايـة و تصوير تجربـة مـعينة . هذا يعني أن المسجل للعالم الخارجي ، قادر على ملاحظة الذات . كما أنه قادر على التأمل والتفكير فيما يسرده . سواءً نفذ إلى وعي الشخصيات ، أو أنه اكتفى برصد ردود فعلهم . ليرى والاس أن وجهة النظر هي الوسيلة والتقنية المثلى للنفاذ إلى وعي الكاتب .بقي الجواب على هذا السؤال : إن وجدت وجهات نظر متعددة في النص ، هل تمثل أشكالا مختلفة من الوعي ، و التصور للعالم ؟يجيب عن هذا السؤال باختين ، بقولــه أن كثرة الأصوات ، وأشكال الوعي المستقلة ، غير الممتزجة ببعضها ، ليست في ضوء وعي موحد عند المؤلف ، بل تعـدد أشكـال الوعـي لديه ، وليس بالضرورة تعــبر عن الموقف الأيديــولوجي الخاص بالمــؤلف. وهناك رأي مغاير تماما ، يرى التناقضات المختلفة في العمل الروائي الواحد ، نتيجـة وجهات نظر مختلفة للسارد تدل على فشـل العمل في إعادة إنتاجها بصورة جادة . ويعزى الفشـل هنا ، إما إلى عجـز الكاتب ، أو تذبذب مزاجـه الفني الخاص ، لا سيما وأن المرجعية الفنية للكاتب وحده ، فله صلاحية وضع السارد في أي موقع أو مستـوى قصصي ، بما يخدم هيكلته للنص، محددا في ذلك النمط السردي ، و صيغة الخطاب . و هنايتفق دون ريب مع عبارة أن السارد ، هو بالأصل ظل فني للكاتب أو مخلوقه الورقي الذي يسرد عنه .بعد هذا التمهيد النظري الموجز جدا ، أستعيد ما قاله الروائي السوداني الطيب صالح : ” إن الرواية تتيح للكاتب الروائي أن يعمل في ضوء “تخطيط” معدّ سلفا ، أو متصور على الأقل ، كما هي حالة الرسم و الرسام . فالمساحة واسعة ، والعالم معقد ويفتن ، كما أن الرواية تمنح كاتبها الارتفاع إلى مدارج نقاش أوسع لا تمنحه القصيدة التي هي مركزة بطبيعتها ، والشاعر فيها مطالب و مضطر أن يحدد وجهة النظر الخاصة بمعنى ما ، على غير ما هي عليه الرواية ” . ختاما اذكر لكم موقفا حدث مع الطيب صالح نفسه ، أنه قد أزعجه أحد المتطفلين بسؤاله كثيرا : “هل أنت مصطفى سعيد في موسم الهجرة إلى الشمال ؟”فابتسم الروائي الكبير ورد بهدوء : ” مصطفى سعيد مات بالرواية ، أما أنا فما زلت حيا ! “







