منذ وفاته في 25 من أيلول (سبتمبر) الماضي، لم تتوقف رسائلُ الحب وكلماتُ التأبين في حق هذا الإنسان الأديب، الذي لا يختلف اثنان حول دوره المؤسس للرواية الحديثة في الكويت والخليج العربي. وهو من فضّل الانطلاق إلى ضفاف أخرى، علّه يجد خارج أقفاص المكان لغات مشتركة، يحمل معه إخفاقات واقعه الآني وما انطوى في بقعة داكنة لكائن الظل، في زمن بات يعاني العزلة في أكثر من مكان. فكانت اللغة حبلا سميكا يخطو فوقه هذا الإنسان عدة خطوات، خطوة في الحلم، وأخرى تنعى سماء نائية كانت زرقاء في يوم ما. هكذا هي ملامح الأدب عند الروائي الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، لكوننا نلاحظ ارتحالا واضحا لإنسان رواياته وقصصه، يتجاوز نطاق الواقع المرير وإحداثياته إلى ما هو أبعد من هنا أو أقرب من هناك. وكأن اسماعيل لم يكتف بواقعية وجوده في بعض هذه الأمكنة، وإنما استعار أيضا ذلك الارتحال النفسي لشخصياته، وربما لنفسه أيضا، بما يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة. يرتبط المكان في أدب إسماعيل بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلة الكتابة والفكر، في البحث عن ذلك الوجد الخالص بعد معاناة الإنسان الكامن فيه، وتأثير غربة المكان على التجربة الروحية. ولا يقصد هنا بالغربة، ذلك المنفى الذي يُقصي الإنسان عن وطنه، أو الذي يهرب إليه من نفسه، وإنما العدم الذي يصنع منه الكاتب شيئا في العزلة، يزيد هالة الإبداع ألقا و تألقا في مخاطبة العقول، بعيدا عن ضوضاء وصراع الهوس القديم، بتحطيم كل ما هو جميل وجديد! في كتاباته الإبداعية، لمسنا ذلك الارتحال الدائم للإنسان عند إسماعيل بين مواطن عدة، استنطق فيها عذابات المكان والهواجس التي تسكن بين زوايا زمنه، بسبب احتقان الأفكار واختناق شخصياته بمختلف الأحاسيس والمشاعر وأنماط الإدراك المتحولة ما بين مرجعيات أيديولوجية عدة. فأصبح المكان حلبة تتصارع فيها أفكار الكاتب، والتي استرجع فيها الكثير من حوادث الزمان في ذات المكان، ليكون الإنسان نفسه عنصر التأزيم وانفراج العقدة. فرواية مهمة في أدب إسماعيل وهي «كانت السماء زرقاء»، والتي وصفها الشاعر العربي صلاح عبدالصبور بأنها من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن، وذلك في معرض تقديمه لها في طبعتها عام 1970. عندما تقرأ تلك المضامين التي حملتها سطور النص، والرؤى التي حبُلت بها، ستجد قارئا معينا يخاطبه الكاتب، وإن تغلّف النص بأنسجة ملونة تغري البعض العابر على النص دون مضمونه، سيجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم دون أن يشفع لهم أخوةُ الثورة أو أن يُفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به. فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيما يهربون منه إلى أراضي الغير، وإن كانت أرض أعداء الأمس، فباتت لهم منفى اليوم، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه و إليه، وإن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء، ويكفينا ما سرده الكاتب على لسان الرجل الهارب في حواره مع ضابط الثورة الهارب أيضا عندما سأله الأخير: «- متى يأتي النهار؟ – بعدما تتم الأرض دورتها. – وأنا أتممت دورتي الخاصة. – وأنا أدور بصورة عكسية. – ألا زلت مصرا على الهرب؟ – بلى. – إذا فأنا قد حبستك إلى جانبي نهارا كاملا! – أنا حبست نفسي. لحـد الآن لم أتخذ قرارا قطعيا بالنسبة للمكان الذي سأتجه إليه». فالمكان هنا أصبح جحيما ومخبئا في ذات الوقت والموقع. في حين، يأتي المكان في صورة مغايرة في رواية «مستنقعات ضوئية»، حيث تكوّر في موقع مغلق على من فيه ونعني «السجن». إلا أن الكاتب استطاع أن يرحل بشخصياته إلى خارجه، فيما ارتسم في ذهنية بطل الرواية «جاسم صالح» المختبئ وراء لقب «حميدة» من فضاءات أبعد من سقف الزنزانة أو أرض الأشغال الشاقة وشمسه الحارقة. فما كان الظل في فترات الراحة سوى عبور تلك الأمكنة إلى ذات الإنسان، فتتداعى معها صور الأفق المفتوح، باستحضار من هم.. من هناك.. من خارج مكان السجن. ليكون المكان هنا «السجن» حريةً في شكل آخر، خلاف ذلك المكان الخانق «خارج السجن». – ثم تحول المكان في رواية «الشياح» إلى ملجأ تحت أرضي في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، اجتمع فيه أفراد من كل شارع وأيديولوجيا، خلقوا في مكانه المعتم والبعيد عن شمس النهار ونجوم الليل عالما مفتوحا فضاءات من سلوكيات شخصيات المكان، والذين اختلفوا عن بعضهم في ذلك. والمكان «الملجأ» لم يكن مقصورا في كونه ملاذا من أذى الحرب ورصد القناصة، بقدر ما كان ملاذا للجميع من حياتهم خارج المكان/ الملجأ. ويمضي الإنسان في روايات إسماعيل بارتحالاته، ليتجول بين العراق ولبنان ومصر والمغرب وسوريا والخليج، ليعود إلى الكويت التي لم يغادرها بل عبرت إليه في كثير من تداعيات الروح الساكنة بها والنفس الكاتبة في جمالها. ولعل أجمل ما نُقل عن إسماعيل فهد إسماعيل عندما سُئل، كيف استطعت أن تكتب عن الكويت «هنا» وأنت بعيد في الفلبين «هناك» .. فأجاب أنه يراها «الكويت» أجمل. ليتمخض عن ذلك الشعور بالانتماء لهذا المكان «الكويت» أجمل وأروع وأهم أعماله الروائية وأضخمها إنتاجا وإبداعا، وأعني السباعية «إحداثيات زمن العزلة» وهي رواية ملحمية عن الوطن إبان الغزو العراقي للكويت، وكيف أن الكاتب صرّح بأن هويته الوطنية وانتماءه للمكان «الوطن» تعمّق أكثر عن ذي قبل، فكانت المواطنة جوهر مداد قلم إسماعيل في الكتابة عن هنا.. المكان / الوطن. ليقدم لنا نموذجا رائعا في تعلق الإنسان بوطنه، وأنه مصدر إلهام هذا الإبداع، دون ادعاء أن المكان الآخر (المنفى أو المهجر سمّه ما شئت) هو نبع ذلك الإبداع. فلولا الوطن ما كان للمغترب أن يراه في إبداعه وإحساسه، ولولاه – وهو المكان الأول – لما كانت هذه الارتحالات وهذا العبور الدائم له بين سطور القلم. وفي غمرة العزلة التي قد يختارها الكاتب، إلا أنها جاءت مغايرة هنا: «لكنك حيثما وليت شأنك يبقى الوطن تحت جلدك. إذ إن المكان البديل أشبه بالفتيل.. قابل لتنكرك عليه.. ليس إحساسا بالغربة، لكنه آخذ بالخواء، ومن ثم لا مناص من أن تقفل عائدا». وهكذا الإنسان والمكان والوطن عند إسماعيل فهد إسماعيل، الذي رحل عنا قبل أسابيع، وانتهت كلمات التأبين والرسائل المحبة، وبقي أمامنا هذا الإرث الكبير ونحن الشركاء فيه، فينتظر منا وعيا عميقا في قراءة ما قد صرّح به وكتبه، وما قد خبّأه أو حذفه بمعرفته.
الكاتب: flipdigitalprinting
دقة الروائي والقارئ الأسطوري
على مَن تقع مسؤولية تراجع الوظيفة التوصيلية في الرواية؟ هل تقع على عاتق المبدع (الروائي)، أم (المتلقي)، أم النص (الرواية)؟ بهذا السؤال انطلقت الناقدة السورية أسماء معيكل في كتابها ( الأفق المفتوح – نظريّة التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر ) الصادر مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، حيث أنها وصلت لنتيجة شبه نهائية ، أنه ومع ثورة المعلوماتية في عصر التكنولوجيا المتقدمة ، بدأ المبدع يحسّ بتراجع دور القراءة مما جعله يهمل القارئ عموما ، ويجنح إلى تغليب الجانب الذاتي في إبداعه على الجانب الموضوعي ، وهذا أدّى إلى تراجع الوظيفة التواصلية ، برغم أنها الأساسية للرواية . لأنّ المبد ع – كما ترى معيكل – لم يعد يهتم بمتلقيه ، بقدر ما هو مهتم بالتعبير عن قناعاته ورؤاه بعيداً من الموضوعية ، وهو ما انعكس سلبا على المتلقي الذي بدأ يشعر بإهمال المبدع له وربما تعاليه عليه ، مما جعل عدد القراء الذين ما زالوا يقرأون له في تراجع مستمر من جهة . ومن جهة ثانية، أخذ القارئ يتّهم المبدع بالغموض والإغراب وصعوبة فهمه . وبدوره رفض المبدع الاتهامات الموجهة اليه ، وراح يحض القارئ على ضرورة تسلّحه بالأدوات المعرفيّة اللازمة لفتح أبواب النص، والدخول إلى عالمه. كما بدأ يطالب بوجود قارئ خارق أو نموذجي لنصه ! خلاصة ما تحاول أن تصل إليه معيكل أنه بات بعض الكتاب يخلق لنفسه قراء خاصين به ربما بشروط معرفته وثقافته ، لا يقبل من غيرهم أي أسئلة أو ملاحظات مادام أنهم خارج حظيرته . وهو ما يعني انغلاق أعماله عليه وعلى من حوله فقط ! في حين ، يكون الأمر مغايرا للروائي الباحث عن العالمية ، الذي يرى في أعماله – وترجمتها خاصة – وسيلة للحوار مع الآخر المختلف معه ، متجاوزا لغته ومدارك ثقافته ومعرفته ، دون مواربة أو خوف من اتساع أفق الآخر . لعل هذا ما يمكن تلمسه مع روائي عالمي مثل جابرييل غارسيا ماركيز الذي يصرح وهو في مجده الأدبي العالمي أنه بدأ الكتابة بمحض الصدفة ، فقط ليبرهن لأحد أصدقائه أن جيله قادر على أنجاب كتّاب ، ليسقط في شرك الكتابة ويجد فيها المتعة ، ثم في الشرك التالي وهو اكتشاف أن عشقه للكتابة يفوق حبه لأي شيء آخر في الدنيا . لأسرد موقفا عنه ذكره الصحافي الكولومبي أليساندرو دوكي ، الذي زار ماركيز بينما كان يكتب رواية ( الجنرال في متاهته) ، ولاحظ كيف توقف ماركيز عن الكتابة فجأة وأجرى مكالمة هاتفية صدمت دوكي نفسه ، حيث اتصل ليسأل أحد علماء الفلك إن كان قد تحقّق من أن القمر كان بدراً في 10 يونيو 1813 ، فجاءت الإجابة مخيّبة لآماله ، لأن ماركيز تغيّر وجهه وطلب من متحدّثه التأكد من هذه المعلومة في أقرب وقت ممكن لأمر مهم وعاجل وخاص بفصل كامل بالرواية . فسأله دوكي ( أي قارئ سيهتم بهذه المعلومة، ومن سيبحث إن كان القمر يوم 10 يونيو 1813 كاملاً أم لا ؟) فأجابه ماركيز بأهمية وجود قارئ أسطوري للروائي ، مستشهدا باسم فرناندو غارابيتو الذي كان يمسك بأخطاء ماركيز في روايات سابقة ، وبناء على ذلك يعتبره أصعب قارئ له ، ورغم أنه لم يكن يعرفه شخصياً . وعندما صدرت رواية ( الجنرال في متاهته) لم يجد دوكي الفصل الذي يحتوي على ليلة العاشر من يونيو 1813 في غرناطة الجديدة ، حيث لم يكن قمرها بدراً كما تمنى ماركيز . ليكمل دوكي أنه بعد ثلاث أو أربع سنوات تعرّف إلى غارابيتو شخصيا وأخبره بلقائه بماركيز وما حدث . حينها قال غارابيتو: ( من المؤسف أن نُحرم من فصل بهذا الجمال بسببي). هنا تتحقق موضوعية الروائي والقارئ معا .
أبيض يتوحش: معادلة الجهراء أوتارا

( أبيض يتوحش):معادلةالجهراء وأوتاواناصر الظفيري“الوطن لا يموت” ناصرجاءت العبارة المذكورة أعلاه، ضمن سياق خطاب إحدى الشخصيات في قصة (المقعد الخالي) التي نشرت عام 1992 ضمن المجموعة الثانية (أول الدم) الصادرة 1993، حيث كان السياق كالتالي:”يا إلهي، هذه كلها رسائلها!! إذن، هي لم تمت؟” “الوطن لا يموت، يا صديقتي، يتألم، يجوع، يقهر، ولكنه لا يموت، لا يموت”.جاءت المرأة هنا في هيئة الوطن الذي يراه ناصر، فهو كائن ومكان معا. كائن في شخصية المرأة، الأصدقاء، الأب. ومكان، الوطن، الغربة. جاء الزمن في هذه المجموعة القصصية عبر ذاكرة سردية ممتدة من عام 1991 حتى 2016، لتتقاطع الأحداث من خلال علاقات شكلت هذه الثنائيات: الكائن/المكان، العاشق/المرأة، الفقد/الموت. شكّل المكان الأول ( الوطن) غربة الكائن الأولى وهو حاضر فيه، وشكّل المكان الثاني ( المهجر) الغربة الثانية للكائن نفسه، ليحاول التخلص من الغربتين عبر النسيان والعيش في ذاكرة الحاضر:” منذ عشرين عاما وأكثر قليلا، وأنا أدرب نفسي على النسيان. كلما التقيت بوجه يعرفني، وبالكاد أتذكره، فيسألني هل تعرفني؟ وأقول بصدق “لا” بعضهم يرمقني بحنق، أفهم أنه يتهمني بالانكار والتكبر ووو صفات من هذا النوع المزعج. كنت أشعر بالفرح أنني وبعد مران طويل على النسيان نجحت. استطعت أن أتحكم إراديا بذاكرتي. فأقصي من أريد عن قصد منها، ولكن العيب الذي صاحب هذا المران، انني أقصيت منها من لا أريد إقصاءه ” . برغم المسافة الزمنية بين المكانين/ الكائنين، فإن المرأة في السرد هي التي تذكرته و أشعلت فتيل الذاكرة بين الإثنين. ولهذا فإن المران لم يكن على قدر كبير من الاتقان في تحقيق هذا الانفصال، مهما تظاهر أو ظن بذلك. وكأن المرأة هنا معادل للوطن الذي كان يحاول نسيانه:” لن أنكر أن الذي ساعدني في تغلبي على ذاكرتي هو انفصال المكان والخروج من دائرة الزمن الذي تحيط به. فمنذ النفي الأول وأنا في عزلتي لا ألتقي أحدا من وطني، لا يُكاتبني أحد ولا أكاتب أحد. أغرقت نفسي في تفاصيل المكان الجديد، وانتظام حركتي في مداره الزمني. تعثرت قليلا، تراجعت قليلا، تقدمت، هرولت، مشيت، ركضت، ولكنني انتظمت مستفيدا من أقدمية الزمان وهشاشة المكان في ذاكرتي، المكان الذي تركته وأنا في العشرين من عمري، وكان حينها مكانا مهشما، وزمنا متوقفا” . ولكن، هل رجّح استمرارُ الزمن كفة النسيان دوما، أم كانت هنا رغبة لتوقفه للحظة؟في قصة ( عندما يقف الز…من) نجد ذات البوح الساكن عن ذلك المكان، عندما تصور لوحة لراقصة باليه أنها سيرة حب ما، فاحتار زمنه فيها ما بين الاستمرار والتوقف:” كنا نختلس فرحا صبيانيا و شهوانيا من زمن يبدو ثقيلا كسيرة الموت، نُهذّب من المكان الذي نحب إلى الحب في أي مكان”.فلحظة راهنة بتوقف الزمن، قد تكون كفيلة بأن تُحيي ما أُعتُقد أنه تلاشى أو مُسح أو تم نسيانه، بل يمكن استعادته ثانية عن طريق الحب، الذي تشاركه المكان الأول مع الكائن أينما كان، ووضعه في إطار ثابت كبرواز اللوحة:” الغرفة التي غادرتها منذ ربع قرن – كحساب رياضي صارم – غيّر طبيعتها شابٌّ، تركته في اول العمر. قام بترميم أثلامها، ومسح خربشاتي عن حيطانها. لم يقصد محو ذاكرتي من المكان. مشكورا ترك لي زمنا ساكنا على ظهر كف. زمنا ليس بامكاني تحريكه إلى الأمام قدر إمكانية تحفيزه باغماضة عين للعودة إلى الوراء، ولكنني أجد نفسي كصاحبة اللوحة أضع رأسي فوق يدي، وأنا أجلس على الكرسي قبالة اللوحة تاركا كفي تُنبئ عن توقف الزمن، في إطار لوحة، علّقها الشاب، ليذكر أنني كنت هنا يوما ما”. وهنا يخوننا النسيان، عندما نظن أننا استطعنا بذلك المران أن ننسى، فتأتي الذاكرة من توقف الزمن حميميا، مهما كانت قسوته، شدته، رغبته، فهو ثابت غير متحول:” كل شيء يشكّل زمنه الخاص.. أما زمني في مستطيل اللوحة، فثابت لا يتغيّر، ثابت ومؤلم كهذا الزمان على ظهر كف راقصة” . ماهو معادل الثبات هنا، الذي قد يكون معادل المكان؟ إنها المرأة.فقد جاءت معادلا ثابتا في قصص المجموعة باختلاف صورها، الحبيبة، الأم، ابنة الجيران. فمهما غابت، فإنها تحضر ثانية، وإن رحلت، تعود أدراجها. فقد تكون ابنة الجيران التي التقاها صدفة في الغربة، فاقدا كل ذاكرة التفاصيل بينهما، مهما حاولت تذكيره في ليلة عابرة:” وحين ركبت سيارتي إلى المدينة، حاولت أن أتذكر إسمها. لو تذكرت اسمها، لعرفت بأن كل ما قالته قد حدث فعلا. لو. ” أو المرأة المنتظرة لعودته من رحلة العلاج، بقلب جديد، ولكنها بمجرد أن احتضنته ضغطت على الجهاز، ليتوقف عن العمل فمات سريعا، أو كما خُمِّن في النص:” لم يكن لقلبه أن يتحمل رائحتها” .كذلك هي القصص الأخرى، حملت ذات الثنائية المُرهَقَة بين الكائن/ المكان، العاشق/المرأة، ولعل النتيجة الحتمية للفراق، الانفصال، النسيان ما بينهما هي فقد مؤلم، شديد، يكون للحنين دور في أن يتحول إلى أقسى صورهذا الفقد ..الموت.حيث يتغلب البياض القاتل في صراع الألوان في “قلب جديد لأبيض” عندما كانت الخطوة الأولى باتجاه الرحلة إلى هناك خيانةً عظمى لكل شيء هنا. أو في “اشتهاءات الموت” الذي يرتب بمزاجية عنيدة معاناة ضحاياه غير عابئ بالأولوية لذلك: ” كأن الموت يريدني، لكنه لم يتعرف علي، وكنت أريده. أبي.. ماذا تركت لي؟ أعذرني يا أبي . إنني لا أحبك. …..اعذرني يا أبي،. ليس لأنني أحبك ولكنني أريد أن أرتاح معك ولا أعذّب أحدا بعدي. ” حتى ألحقه الموت في راحة أبيه:” هكذا أفضل يا أبي.. من سيذكرنا؟؟؟” . برغم ذلك، فإن الوطن لا يموت، يرحل الإنسان من مكان إلى مكان، قد يتبدل مما كان إلى كائن، لكن الوطن يبقى جميلا، أجمل هناك، برغم الفضاء الجديد، واللغة الجديدة:” ولا أنكر أن علاقتي بالحرف العربي الذي تركتُه لا يضاهي علاقتي بالحرف الأجنبي الذي أعيشه. لم أتآلف مع المكتبة الجديدة، والتي بدأتُ أُضيف لها الكتب العربية، لأستعيد الشعور الحقيقي بوجودها، وللإيمان بالعلاقة التي تربطني بها. وما يزال حنيني لمكتبتي الضخمة جزءا من نوستالجيا الوطن” . نعم، كان الحنين/الهوية أصل المعادلة بين ثنائيات الكائن/ المكان، العاشق/المرأة. وقد شكلته قصص مجموعة (أبيض يتوحش) في بنائها على قصص المجموعة الأصل (أول الدم) الصادرة في الكويت، فليس اعتباطيا أن تأتي قصة (مكتبة) في خاتمة الكتاب، وقد وثّقت المكان والزمان، أوتاوا 2016، وقد ختمت بآخر أمنية:” سأعود قريبا لأحتضن هذه الأسماء التي علمتني. سأعود إذا لم ينطبق الجدار على الجدار. ” . فهد توفيق الهندالباحث وناقدالمصدر: – ناصر الظفيري: أبيض يتوحش، قصص، منشورات المتوسط، ميلانو،الطبعة الأولى 2017
الكلمة الريح

” النص مدى مفتوح. مرن كالحرف، هائل كالحرية. ” تأتي الجملة السابقة ضمن سياق بيان طويل أصدره قبل سنوات كلا من الشاعر قاسم حداد والكاتب الناقد أمين صالح تحت عنوان ( موت الكورس ) في ديسمبر 1984 ، كحالة من التعبير عن رؤيتهما حيال المشهد الإبداعي ككل ، والكتابة بشكل خاص . عندما يخط مبدعان عملاقان هذا البيان قبل أكثر من 30 عاما ، فهما يرصدان متغيرات جديدة في نمط الكتابة ، لتبقى الحرية هاجسها الدائم في أن يعبر المرء عن رأيه دون قلق من سلطة الرقيب أو محاكم التفتيش بكل صورها ،ولكن شريطة أن تعيد الاعتبار لأهمية الكتابة ، والتنقيب في عمقها ، بعيدا عن هوام السطح العائمة ، التي لا تفرق اليوم بين قلم مبدع وآخر مدع ! فكيف تفرق بين الاثنين ؟الكلمة ، هي الميزان بينهما . فما هي الكلمة ؟يقول عنها بابلو نيرودا : ” جنح من أجنحة الصمت. قطعة أرض أعشقها، انا الذي لا أملك نجمة سواها بين كل مروج السماء. هي التي تكرر الكون وتكثّره. هي بيتي أيضا. شيّدتها فسيحة رحبة لكي العب فيها من الصباح الى الصباح ” .الكلمة نغمة تبحث عن موقعها في سياق نوتة موسيقى ما ،أو قطرة مطر تبحث عن أرض بكر ، وربما نسمة شاردة في لهيب الصيف تنعش أحدهم دون قصد ، قد تكون زفرة ألم في لحظة فقد دون وعي . الروائية التشيلية ايزابيل الليندي تهتم كثيرا بالكلمة : ” مهمٌجداً بالنسبة لي، أن أجد الكلمة المحددة التي سوف تخلقالشعور أو تصف الحالة. أنا انتقائية جداً في هذا الجانب،لأنها المادة الوحيدة التي نملكها ، الكلمات. ولكنها مجانية،لا يهم كم مقطعاً لفظياً تحوي: مجانية! يمكنك أن تستخدممنها بقدر ما تريد، إلى الأبد! ” . ضمن القراءات المختلفة ، لابد أن ثمة كلمة تطن في بالنا أكثر من غيرها ، تأخذنا في فضاءات أخرى ، نترسب معها في سياقات متنوعة ، لا يحدنا سقف واحد ، غير التأويل لأكثر من معنى ، نهاجر في غربتها في جملة ناقصة ، أو نواسي وحدتها في فقرة محرومة من الفعل الجماعي ، نقتنص ضحايا الانتظار لزمن تأخر حضوره كثيرا . الكلمة ، شهقة ، تلفظ الهواء هربا ، كحالة اختناق من واقع مربك ، و تلتقطه نجدة في اختراق لكل محرم ممنوع محنط . تبحث عنها سياقات الكلام في قواميس الألم ، ومعاجم الفرح ، تشكّل القصة ، الرواية ، بيت الشعر ، نصوص الحياة . الكلمة كالريح ، التي تهب من الشمال الأقصى ، فتحرك الشعور الأدنى وتفجر المعنى من العمق . وكما قال غوته :” وما الريحُ إلا عاشقٌ لطيفٌ / يعشق الأمواج / ويدفعها من القعر ” .وهكذا الكاتب ، عاشق كالريح ، والكلمة متاهة ، ولكنها في الأصل .. الكلمة حرية .
تدمير السرد

Sard_1ثمة استعمالات عدة للسرد ، تختلف من باحث لآخر ، فيرى جيرالد برنس أن السرد هو إعادة لإنتاج أحداث و حالات ، حقيقية أو خيالـية ، عن طريق سارد واحد ، أو عدة ساردين . سـواء كان شفهيا أو كتابة . أو إشارة أو صورا متحركة ، أو أية مجموعة منظمة . ليضم تحت مصطلح السرد ، الروايات ، والقصص القصيرة ، والأساطير ، و القصص الشعبية . إلى جانب السيرة الذاتية ، والملاحم ، والتاريخ والأغاني الشعبية القصصية Ballad ، و غيرها . واستخدم تودوروف مصطلح السرد بمعنى الحكاية . ويستعمل أيضا على كونه العمل التواصلي الي به وفيه ينقل المرسل رسالة ذات مضمون قصصي إلى مرسل إليه ، رديفا للكلام باعتباره وسيطا يحمل الرسالة المذكورة ، ولكنه متخيلا . أما جيرار جينيت ، فيحدد السرد في علاقته بالـ ( الحكي ) في الفصل الخاص بـ ” الصوت السردي ” ، عبر علاقات معينة ، حيث ربطه بالمقام السردي أي المنطوق السردي أو النشاط السردي الذي يتولى مهمته سارد ، يسرد حكاية ويصوغ الخطاب الناقل لها ، وهو ما سماه جينيت فعل السرد . وكأنه يميز بين فعل الكتابة الذي يكون عبر فاعله / الكاتب ، و فعل السرد الذي ينجزه السارد . و بالتالي ، فإن جينيت هنا ، يحدد السرد بكونه الناقل للخطاب الشفوي أو المكتوب الذي يتكفل بسرد حدث أو سلسلة أحداث . وفعل السرد يرتبط بمفهوم ثان هو زمن السرد ، حيث أن التحديد الزمني الرئيسي للمقام السردي هو موقعه النسبي من القصة . على مستوى النقد العربي ، يذكر سعيد يقطين رأيه في مفهوم السرد ، بقوله : ” يتحدد الحكي (السرد ) بالنسبة لي كتجلٍ خطابي ، سواء كان هذا الخطاب يوظف اللغة أو غيرها . ويتشكل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة ، تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها وعناصرها . وبما أن الحكي بهذا التحديد متعدد الوسائط التي عبرها يتجلى كخطاب أمام متلقيه ، نفترض – على غرار ما ذهب إليه بارت – أنه يمكن أن يقدم بواسطة اللغة أو الحركة أو الصورة المنفـردة أو مجتمعة بحسب نوعية الخطاب الحكائي ” . والسرد اليوم بات محصورا بالسرد القصصي و الروائي ، وقد لا يكون جميع ما نشر تحت مفهوم السرد ، نابعا عن وعي فني متطور متجسد فعلي لمفاهيـم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة السرد وماهيته ، ولا تسعى للتعبير عن وعي جمالي يتخطى حدود الوعي السائد ، ويتجاوزه إلى آفاق جديدة . لهذا فإن مهمة النقد حيال السرد لا يتمثل بالإرشاد والتعلـيم ، بل في تجسيد رؤية فنية ، أي تفسير فني للعالم ككل ، وكشف الجديد من العلاقات الخفية داخل السرد بشكل خاص . وهو ما قرنه هايدجر سابقا بضرورة تليين التقاليد الجامدة ووضع نهاية لعملية الوجود مدخلا ، فإن علينا أن ندمر المحتوى التقليدي للمعرفة القديمة . إلى أن نصل إلى تلك التجارب الأولى أو أدواتنا الأولى فيها لإبراز طبيعة الوجود . والتدمير هنا لا يقصد به أمر سلبي أو عدمي يدعو للتخلص من تقاليد المعرفة ، بل هو يحمل بعدا إيجابيا يتمثل في كونه يجتث التقاليد والحقائق الجامدة والميتة التي تحرم الكينونة من ادراك نفسها . ويحمي اللغة من التحجر والتكلس والتحول بدورها إلى مجرد تقاليد إضافية تجسر هوة الادراك في إنشائها الأول . وشكل هذا المدخل ظهور نظريات لاحقة ، منها نظرية التلقي وانتاجية المعنى ، حيث يعد الناقد الألماني هانز روبرت ياوس المؤسس الحقيقي لها ، من خلال محاضراته الشهيرة التي ألقاها بجامعة كونستانس تحت عنوان ( التاريخ الأدبي باعتباره تحديا للنظرية الأدبية ) ، منتقدا فيها المناهج التي كانت سائدة آنذاك في تاريخ الأدب ، مقدما بذلك رؤية جديدة تتشرب منها مرجعيات نقدية متعددة ، وتستند إلى مجموعة من المفاهيم النظرية والاجرائية لتأويل واقع الظاهرة الأدبية تأويلا جديدا يأخذ بعين الاعتبار تفاعل القراء ، وخصوصية سياقهم التاريخي الذي يؤثر في كيفيات استيعابهم وتمثلهم للأعمال الأدبية حاليا . مما يعني تدمير المعنى السابق لكل السياقات.
يتبع..
تفكيك السرد الإجتماعي

يذكر الفيلسوف الفرنسي بول ريكور بأن أجهزة المجتمع الأيديوليجة تقوم بوظيفتين أساسيتين: الأولى هي إضفاءالمشروعية على ممارسة السلطة والجماعة المهيمنة،والأخرى هي “تشكيل هويات” الأفراد وصياغة الوعي الجماعي والذوق العام، أو ما يسميها ريكور بوظيفة”إدماج” الأفراد في أيديولوجيا الجماعة ، هدفها إضفاءالمشروعية السابقة. ويوضح أن هذه الوظيفة من خلالالطقوس الاحتفالية التخليدية التي تحيّن بواسطتها جماعةما الأحداث المعتبرة في نظرها والمؤسسة لهويتها مثل يومالاستقلال ويوم الثورة. إن وظيفة الأيديولوجيا في هذه اللحظة هي : “نشر الاقتناع بأن تلك الأحداث المؤسسة هي عناصر مكونة للذاكرة الاجتماعية، ومن خلالها للهوية نفسها” . ويعتقد ريكور أنه من الهوية الذي لا يتحقق إلا بالتأليف السردي وحده، حيث يتشكل الفرد والجماعة معاًفي هويتهما من خلال الاستغراق في السرديات والحكايات التي تصير بالنسبة لهما بمثابة تاريخهما الفعلي. ولعل الهوية القومية هنا خير مثال على تحكمها في مصير الأمة ، فإما الولاء التام أو تواجه تهمة العمالة للإعداء حتى لو دخلت الأمة في حروب طاحنة ، تهلك الحرث والنسل ، كما دخلتها البشرية في القرن العشرين ، حتى نكون واقعيين زمنيا مطلعين ما لآثارها حتى اليوم . على الجانب الآخر ، في كتابه المذهل ( مهزلة العقل البشري ) ، ينطلق المفكر العراقي علي الوردي من فكرة ضرورة البحث و فهم الحقيقة قبل فوات الأوان، إذ أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة انتقال قاسية، يعاني منها آلاماً تشبه آلام المخاض، ففي كل بيت من بيوت المسلمين عراكاً وجدالاً بين الجيل القديم والجيل الجديد، ذلك ينظر في الحياة بمنظار القرن العاشر، وهذا يريد أن ينظر إليها بمنظار القرن العشرين . يضيف الوردي بأنه كان ينتظر من المفكرين من رجال الدين وغيرهم، أن يساعدوا قومهم من أزمة المخاض هذه، لكنهم كانوا على العكس . وهو ما نجده اليوم في التقاتل ليس بين المذاهب وإنما في البيت الواحد ، كما ذكر الوردي . من واقع الفكرتين ، نجد أننا نعتاش منذ عقود على سرد اجتماعي متوحّد منفرد في مرجعيته و أثره ، ورثنا قوالبه الجاهزة لكل عصر ، كما هي اختلافات الأجيال السابقة ، وهو ما كان يعرّف بصراع الأجيال ، في حين أجد أنها صراع الأفكار في مدى تقبلها من العقل البشري ، ولا يكون ذلك إلا في إعادة تفكيك ذاكرة المجتمع ، وربما في بعض الأحيان نحتاج لتدمير قوالبه الجاهزة لموروثات الماضي التي تعرقل التفكير الإيجابي نحو المستقبل. معولنا في ذلك العقل ، الذي اجتمعت الأديان والفلسفات على أنه الكائن الأكثر حيوية و تحولا و قابلية في النقد والتحليل ، وتدعو لتحكيمه مقابل النقل في كل عصر . قصص كثيرة وردت على لسان الوردي في الكتاب الآخر الذي كتب عنه ( علي الوردي في ملفه الأمني ) الذي أعده سعدون هليل ، كيف أن الغرب أخذ عن المسلمين علومهم ، مقابل الخرافات التي سيطرت على تفكير العامة منهم حول كيفية نشوء الكهرباء ، وهو ما يعني سبب التفوق الفكري للغرب اليوم على العرب ، بيد العرب أنفسهم . مقابل ذلك ، ألا يدعونا ذلك لإعادة تفكيك السرد الاجتماعي إن لم يكن تدميره ؟!
النقد والجزر الثقافية

منذأن دخلت معترك العملالثقافي ،والكتابة النقدية تفرض نفسها عليبمرورالسنوات الماضية والملتقيات والندوات النقدية التي شاركت بها شخصيا ، ومختلف الأنشطة التي حضرتها كمشارك أو مستمع ،وما يزال سؤال يتردد صداه في بالي : هل ثمة جدوى لما نكتبمن نقد؟لا أعتقد أن الإجابة محصورة بي وحدي ، وإنما بكل المهتمين بالعمل النقدي والحركة الإبداعيةككل وسط من نشهده من انفجار سردي هائل جدا ، وسط تزاحموتنافسالأجيالالمتعددةفي عقد واحد على الكتابةالإبداعية ، حافز معظمها في ذلك الجوائز الأدبية التي تناسلت أكثر مما قبل ، دافعها الرغبة في الحضور المستمر في المشهد الثقافي ، محركها الورش المهتمة في الكتابة الإبداعية ، بصرف النظر عن رؤية القائمين أو هدفها وراء تنظيمها ، وهو ما يجعل الكثيرين يعتقدون أنه بتجاوزهذه الورش فقد امتلك الرخصة المؤهلة لممارسة الكتابةالأدبية، مادام أنها تنظمتحت إشراف شخصيات لها ثقلها الإبداعي في الساحة المحلية أو العربية .لست ضد تنظيم الورش الخاصة بالكتابةالأدبية،ولكنني مع دقة تخصصها و اتضاح نتائجها مستقبلا في الفرز بين الغث والسمين ، فلا يتحمل النقد وحده هذه المهمة ، بل والقائمين على الورش ودور النشر والمؤسسات الرسمية والأهلية في إعطاء كل ذي جهده حقه الأدبي المستحق .النقد مهمة ليستسهلة ،وليست محصورةبالفرد دون المجتمع، الذي مهما اجتهد فإنه يقاتل لوحده في ميدانيكتفي البقيةفيهبالتفرجوالتذمر.فمرارا وتكرارا تحدثنا عن دور الجامعاتوالمؤسسات العلميةفي دعم وتأسيسالنقد ،كما هو الحاصل في جامعات المغربالعربي كنموذج فعلي يحتذى به ،ليس فعّالا هنا ، بل مجرد اجتهادات شخصية من بعض العاملين في الحقل الأكاديمي ، أما السواد الأعظم فانشغل ببحوث الترقيات العلمية والمنح الأكاديمية !لهذا توجهتمجموعة من المبدعين والمتخصصين لتأسيس مختبرات خاصة بالتحليل النقدي للكتاباتالإبداعية ،وأُنشئت بيوت للشعر والسرد ، يهتم مؤسسوها وروادهافي متابعة وتحليل المشهد عبر نصوص مبدعيه ، دون أدنى دعم من المؤسسات الرسمية .ومن ثم التواصل مطلوب بين الملتقيات الثقافيةمع المختبراتالسردية في تبادل الخبرات والمقترحات ، تتجاوز حالة الجزر الثقافية التي تعيشها معظم الملتقيات والتجمعات الثقافية في الكويت والمنطقة .
المجد للظلام !
في سلسلة من المقالات الخاصة عن عدد من أدباء الكويت، نشرت مقالا عن الأديب الدكتور خليفة الوقيان بتاريخ ٤ أكتوبر ٢٠٠٧، أعيد نشره ثانية في وقت لا يقل سوءا عن زمن القصيدة.

أسماء قليلة هي التي تشغل ذاكرة الحاضر والمستقبل بعطائها الفكري وموقفها الثقافي ورأيها الثابت حول قضايا الثقافة والوطن، تستمد أصالة هويتها الفكرية من جوهر حياة تقاسمت فيها الفرص ما بين التضحية والعطاء، تنتمي في ذلك إلى جوهر وسبب هذا الوجود، وأعني الإنسان المفكر والساكـن فينا، مهمـا حاول الزمـن أن يتغافل عـنه وعن دوره الأساسي في رقي الأمم والحضارات، وهو الذي يرفض الركون إلى ميـراث سابق أو ذكرى مجد عابر يجمّد العقل ويقصي التفكير الحر عن خارطته المنطقية والواقعية. فالمفكر، نتاج و عقل أمة كافحت من أجل تنوير أجيالها ضد شراك الجهالة والوصاية المقيّدة.وهذا المفكر، مثقف يصنع موقفا يستمد فيه فكره، يطول لزمن غير محدود، يتعاقب عليه أكثر من جيل في الأمة الواحدة. دون أن يوقعنا في انفصام ثقافي، يتمثل في الفجوة المعرفية والفكرية بين النخبة والعامة.وأمام معركة القلم ضد الجهل والتشدد الفكري، نقف عند موقف شاعر مفكر مؤمن بموقفه الثابت والرافض لكل أشكال القهر والتلقين الأعمى ومحاربة الظلام الذي يحمل المجد لمن يتلثمون به في القارعات الملتوية في هذه الحياة، فيفضحهم بقوله:المجد للظلامللصوص السارقين من فم الرضيعلثغة الكلامالغاصبين من جفون أمهشهية المنامالنصر للرممللخارجين من حفائر العصورسطورهم شواهد القبوروجوههم ملامح الحجرالفوز للعدمللسائرين في جنازة الربيعالنائمين حين تنهض الجموعكأنهم سوائم البهمالموت للقلملكل ريشة وفمإذا تفجرت منابع الألم.بهذه الأبيات، فضح شاعرنا الدكتور خليفة الوقيان ذلك المجد الزائف الذي يصنعه الظلام لدبيبه من الكائنات الزاحفة على وجوهها، يعتلي ظهورها المتسلقون نحو بروج التماثيل، دون رأي أو موقف أو فكر صريح يميط لثام الظلام عن المتسترين خلف غياهب المناصب، المتسمرين على كراسي العناكب.وهو ما رفضه فكر شاعرنا في عزوفـه عن الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في موقف شهد له التاريخ أنفته ورفضه لمنصب مفروغ من قيمته واستقلال قراره، كما وثقها لنا الزمن في كتاب استقالة فريد ووحيد في شكله ومضمونه لوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عام 1987، عندما احترم فيها اعتزازه بنفسه ودوره المؤسس والرائد في بناء هذا الصرح الثقافي الوطني مع شخصيتين وطنيتين، وأعني المرحومين الأستاذ عبد العزيز حسين والشاعر أحمد العدواني، وهما اللذان استمد الوطن من وحي فكرهما المستنير وبصيرة رؤيتهما لواقع الثقافة في الكويت عندما وضعا حجر الأساس لها في مؤسسة وطنية ترعى الثقافة والمثقف، ليساهم الدكتور خليفة في تأسيسه ووضع تصوراته وهيكلة عمله القائمة على احترام العقل واعتماد المعايير الموضوعية في تقويم الإنتاج والمنتجين واستبعاد أساليب المداراة، وبموجب هذا النهج الفكري والشعور الوطني تخطى هذا الصرح في فترة ازدهاره كل مجالس الثقافة في دول أخرى. ليكمل الدكتور خليفة درب أستاذيه الراحلين في هذه المؤسسة، ويختمه بإخلاص ووفاء عندما رفض أن يكون معولا هادما في تجريد هذا الصرح من دوره التنويري المستقل، رافضا كل مغريات المنصب وبهرجة الموقع القائم على مجرد مناصب استشارية وثقافة بروتوكولات. كما علّق عليها في كتاب الاستقالة:«أما المناصب والمسميات الوظيفية فلعلكم تعلمون أنها لا تعني بالنسبة لي شيئا سوى التضحية والمشقة، فمجيؤها لا يضيف إليّ فخرا و ذهابها لا ينتزع مني مجدا».فأي مجد يكون على حساب العقل والموقف والصلاح ؟ أي فخرٍ يُرجى من حرف يضيع هباء في ثنايا الرياح؟ أي حلم يتحقق دون معاناة الفكر والرأي المباح؟وكأني بشاعرنا الوقيان عندما قال:قدر أن يكونالذي لا يكونحين تبقى العناكبتنسج أكفان طفل قتيلحيث لا يعتلي صهوة الدربغير الظلام الثقيلوحدك الآنتحرث في البحرتغرس في الريحكل البذوررفة الحلمنفح الأزاهيرشدو العصافيرقمح العصوروحدك الآنتحصد في مهرجان الغنائمشوك القبور.ويكمل الدكتور الشاعر خليفة الوقيان مهمته الشاقة كمفكر وشاعر في تنوير دروب الثقافـة وتنمية وعي الأجيال القادمة من المبدعين الشباب، ونحن المحظوظون به و بأصدقائه الأدباء الكبار، عندما تسنت لنا فرص الالتقاء به كثيرا، ومجالسته في رحب صدره الكبير، فمد معنا وصال المحبة والأبوة، فنبادله بجسور قائمة لا تحركها الرياح، أساسها الثابت في ذلك، التقدير والاعتزاز بشخصه الكريم، ولذاك التألق الكامن في فكره المستنير في توثيقه أصالة ومسيرة الثقافة وتاريخها العتيد دون تحيّز أو مداراة. وإلى ذاك الألق الساكن بين جنبيه، كشاعر يرصد بعينيه مشاهد الحياة. فعين تحاكي عناوين الحب وجمال الليل ملاذ العشاق ودوحة المحبين:الليلحين تسكن النجوم داره سكينةتنام في سريرهاعواصف المدينةالطير في أعشاشهاالريح في فجاجهاوللجبال للوهاد للبحار للشجرلعاشقين يغزلان خيط الفجربردة بديعة الصورللحب للجمالهدأة حزينةوعين على وطنه، وعلى أبناء وطنه، عندما دعانا للحذر من مغبة طريق زلق، تقوده غواية الرياء نحو الأوحال. لكونه يهوى أن يرانا نعلو فوق السحاب، بتسامي الروح في طرق الغد الذي يراه:إني عشقت الغد المأمول تبعثهمن مَهْمَهِ التيه صيحاتٌ لمطعونلتدفن الليل في أسماله مزقاوتجعل الأرض حبلى بالبراكينوتطلق الطير تسعى في مساربهاوتغرس الحب وردا في البساتين
فهد الهندال
داغستان حمزاترف

يرى المؤرخ والشاعر الانجليزي توماس وارتون، أن فضيلة الأدب تكمن في تسجيله المخلص لسمات العصر، و الحفاظ على أبرز تمثيل و أفضل تعبير للأخلاق . قد يُعتقد من ذلك أننا أمام رأي انطباعي يخلو تماما من أية وجهة نظر ذات خصائص فنية أو منهجية أو تقنية ، إلا أنها لا تستبعد جمالية الكاتب وفنيته في استخدام وسائل و خيال أدوات الكتابة في إيصال ما يحب أن يصل للمتلقي . وهذا ما يمكن أن نستشفه من مؤرخ وشاعر مثل وارتون ، وهو شاهد على عصر غني بالتحف والفنون الأدبية في عصر توسط بين عصرين مزدهرين في تاريخ الأدب الإنكليزي ، العصر الاليزابيثي والعصر الفيكتوري ، حيث ازدهر الشعر والمسرح والرواية . ولعل الأخيرة – الرواية – تعتبر اليوم الأكثر تركيزا عليها دون غيرها من الفنون الأدبية الأخرى ، وهذا عائد إلى لغتها التي تفترض التضمين الشديد ، ذات الدلالة التعبيرية وتأثيرها المستمر على المتلقي ، وتثير فضوله حول موضوع العمل وتاريخه ، على اعتبار أن اللغة الأدبية للرواية ذات عمر افتراضي طويل ، بخلاف اللغة اليومية المباشرة ، التي لا تحتمل أية دلالات أو رموز تجعلها قصيرة المدى . فما بالك لو كان الروائي المحنك شاعرا بالأصل ؟هذه هي أول مصافحة لي للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف عبر رواية السيرة الذاتية ( داغستان بلدي ) التي فرغ من كتابتها عام 1970 وصدرت بعد ذلك بعامين . كثيرٌ هم الشعراء الذين قرأت لهم أعمالا روائية ، إلا أنني لم أقرأ عملا مميزا كهذا لشاعر مميز كحمزاتوف ، برغم أنني لم أقرأ له سوى مقاطع عابرة من شعره ، ولكن روايته المذهلة أثارت فيّ الفضول الكبير في التعرف عليه أكثر ، خاصة وأنك تقرأ عملا روائيا عنه وعن بلده داغستان ، فتمر عليك أيائل التاريخ قافزة على نهر سولاك ، وترى النسور محلقة فوق جبال القوقاز ، وتسمع خرير المطر فوق أكواخ القرويين مع موسيقى العابرين ، وتخبئ الكثير من الأفكار في جيوب الزمن الذي لا يمكن أن يستبدل قلبقه بقبعة عصرية ، تلغي كل ارتباط بالماضي . ولعل احتفاء الكاتب بماضي بلده واضح في تصدير الكتاب لمقولة أحد شخصياته الرئيسيين ( أبو طالب ) الذي قال : إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي ، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك . جاء ت الرواية مقسمة على قسمين ، الأول سمي بـالكتاب الأول ، والآخر بالكتاب الثاني . ولعل الأول هو الأجمل من وجهة نظري ، لكونه جاء منسجما مع روح الكاتب العاشقة لبلده وكل ما فيه ، وهو ما اتضح في المقدمة القصيرة التي شرح فيها أسباب تأليف الرواية ، ولم تخلو من الطرافة والبلاغة معا ، حيث يصف المقدمة عموما : ” يقول أبي ، المقدمة تشبه إلى حد بعيد ، رجلا عريض القفا ويلبس فوق ذلك قبعة كبيرة من الفرو ، ويجلس في المسرح ، وليته بعد ذلك كله يحافظ على جلسته فلا يميل مرة إلى اليمين ومرى إلى الشمال ، مثل هذا الشخص يثير غضبي ” . بعد ذلك ينتقل إلى أسباب تأليف الرواية ،أنها بناء على طلب من محرر مجلة محترمة أراد منه أن يكتب موادا عن داغستان . وبعد تردد كبير واستشارة الأصدقاء قرر أن يكتب حمزاتوف رواية ،لكونها الأقدر ، معلقا على ذلك للمحرر بأنه لا يستطيع الكتابة عن منجزات بلاده والحياة اليومية العادية وطيبة أهلها : ” كثيرة هي الدروب التي علي أن أمشيها ، والدروب عندنا في الجبال ضيقة جدا ووعرة جدا ” . وهنا صلب الكتابة ، جديتها التي تحتاج للتأني والوقت المطلوب للتأليف دون هوس النشر والشهرة ! الرواية مزيج من الحكايات والمواضيع المنسوجة من تاريخ داغستان وشخصيتي العمل الرئيسين والده الشاعر حمزة تسادا و صديقه أبي طالب ،وطبيعتها الخلابة و ما اختزنه أهلها من حكم ومواقف لهم مع الحياة والأدباء ، كتلك الحادثة التي شبه بها الكتاب اللاهثين وراء الجوائز بالغنم التي أكلت بالخطأ حقل الشوفان فأدمنت عليه ! إضافة إلى تلك اللغة الجميلة التي تعشق معها لغة العمل الأصلية وأنت لا تعرفها أصلا ، فالكاتب المنتمي للغة عريقة لا يتخلى عنها بل ويؤصل ولاءه لها في كل أعماله ، لهذا كانت الآفارية أما رؤوما وحمزاتوف إبنا بارا ، فيشبه اللغة بالنسبة للكاتب كالحقل بالنسبة للفلاح :” اللغة للكاتب مثل غلة الحقل بالنسبة للفلاح . حبوب كثيرة في كل سنبلة .والسنابل كثيرة لا عد لها . لكن لو بقي الفلاح ينظر إلى حقله دون أن يفعل شيئا ، لما حصل على حبة حنطة واحدة ” . جاء الكتاب جملة خبرات حافلة ورائعة لحمزاتوف ومن معه من كتاب داغستان ،لا تقرأ عملا روائيا منفردا بقصة ما ، أو مقصور على زمن واحد ، بل منفتح الآفاق على سهول واسعة من الكتابة الإبداعية ، جوهرها حب الأرض وروحها الشعر على هيئة السرد . يصلح لأن يكون ورشة كتابة إبداعية لوحده ، تخرج أجيالا من الكتاب الموهوبين ، بعدما تصقلهم اللغة بكل أسرارها و الصنعةالأدبية بكل أدواتها ، وتشعل الأفكار والرؤى في عقولهم بدلا من البحث عن مواضيع مستهلكة يمكن إعادة انتاجها بسهولة . فيوجه نصيحة لكاتب شاب : ” لا تقل اعطني موضوعا ، بل قل اعطني عينين ” . أختم المقال عن رواية بلدي لرسول حمزاتوف بما وصف به كتابه القادم أو الجديد ولم يكتبه بعد ، ولعلي أوجهه رسالة إلى الكتاب الشباب ، حيث قال عنه :” يا كتابي ! كم سنة عشت في نفسي . أنت مثل المرأة التي نراها من بعيد .نحلم بها ، ولكننا لا نستطيع أبدا أن نشم عطرها . كم رأيتها قريبة مني ، يكفي أن أمد يدي ، ولكني في خجلي واضطرابي يحمر وجهي ثم ابتعد عنها . “
الصورة: حمزاتوف مع والده

رق الحبيبهناك أغان تعزف في أذهاننا على الدوام ، لا يمكن أن تغفل لحنها إن كان عابرا ، أو نسيان كلماتها مع بعض وجوه الحياة ، لكونها تحيي مشاعر ماضية / آتية ، تستمر لبعض الوقت إن لم يكن معظمه ، في شجن يستحيل حنينا دافئا ، متوردا بالشوق ، مثمرا بالحب .من هذه الأغاني ، تأتي أغاني الزمن الجميل ، التي تحمل نوستاليجيا ممزوجة بمختلف المشاعر الإنسانية . ولعل على هرم أغاني الخالدين من الفنانين ، مطربين ملحنين وشعراء ، تأتي الأغنية الرائعة ( رق الحبيب – 1944) لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، من كلمات صديق عمرها الشاعر أحمد رامي والحان الموسيقار الكبير محمد القصبجي ، ولعل الأخير ظُلم في حياته أكثر مما بعد وفاته ، وهو الملحن المجدد وأحد أعمدة التلحين الحديث في تاريخ مصر والوطن العربي بعد جيل أبو العلا محمد و سيد درويش ، مؤسسا بدوره لجيل من الموسيقيين والملحنين من بعده ، كمحمد فوزي ، بليغ حمدي ، زكي ناصيف وغيرهم ، مقدما للساحة الطربية أسماء غير أم كلثوم ( اسمهان ، ليلى مراد ، فتحية أحمد ) وغيرهن . قصة هذه الأغنية تبدأ بعد أغنيتين سابقتين من كلمات رامي ، الأولى قصيدة فصحى من ألحان أبو العلاء محمد بعنوان ( الصب تفضحه عيونه –1924 ) ، والثانية طقطوقة لحنها له القصبجي ( مادام تحب بتنكر ليه – 1940 ) ، وكلاهما أداء الست . والمتابع لخط الأغنيتين يكاد يجد رابطا بينهما ، من ذات معجم رامي الشعري ، وهو ما ينم عن حالة حب متجسد وواثق من نفسه، حيث يعاتب الحبيب محبوبه ، وينبهه إلى عدم جدوى إنكار حقيقة الحب بينهما . وبحسب ما جاء في سيرة رامي التي يرويها معاصروه ، أنه بعد القطيعة بينه و أم كلثوم ، أرادت الأخيرة قطع هذه القطيعة بدعوته لكتابة عمل جديد للثلاثي ( أم كلثوم ، رامي ، القصبجي ) ، فتأتي رق الحبيب فتبدأ بكلمات وديعة تعبر عن حالة من الشوق تحت غلاف الكبرياء ، لا يمكن أن يخفي هذا العشق :من كتر شوقي سبقت عمري / وشفت بكرة والوقت بدري / وايه يفيد الزمن / مع اللي عاش في الخيال / واللي فيقلبه سكن / انعم عليه بالوصال .وكأننا أمام جواب لأول كوبليه في ( مادام تحب ) :لو كنت عايز تراضينى / وتصالح النوم على عينى /كنتاشتكيلك تواسينى / وتشوف عنيا راضيه الأسيه / تعطفعليا / واللى يحب يبان فى عنيه /مدام تحب بتنكر ليه ؟وبدروه يكمل الحب الذي بدأت معاناته في ( الصب تفضحه عيونه ) :قَسَـــت القلوب فهل لقلـــبك يا حـبيبي من يُلينهفتُريح قَلبا مُدنَفا أسوان لا تَغفى شُــــــــــجونهمَرَّت عليه الذكريات فطال للماضي حَنينهوأنا نَجيّك والذي يَســــــــــقيك من ودِ هَتونهوبي الذي بك يا ترى سرّي وسرّك من يَصونهليكتمل مشروع أغنية رق الحبيب ، باحساس الثلاثي ، ولو أنه آخر ما لحنّه القصبجي لأم كلثوم ، وأحسب أنه الدرة التي توجت مسيرة الثلاثي ، وأن الزمن استعصى عليه قبوله نتاج جديد قد لا يُشفي فضول أو غرور الحب الذي لن يستكين في قلقه وبحثه عن وجوده . هنا نؤمن بأن ” كل شوق يسكن باللقاء لا يعوّل عليه ” كما قال ابن عربي .https://youtu.be/oIpTg9nQj8A
