التصنيفات
مدونتي

مراجعة نقدية مقارنة بين جزئي فيلم Gladiator خلود الأول وتحدي الثاني



صدر فيلم “المصارع (Gladiator) في العام 2000 وأخرجه ريدلي سكوت، وأعتبر وقتها من أعظم أفلام السيرة الملحمية. إذ تمحور حول قصة الجنرال الروماني ماكسيموس زمن الامبراطور الفيلسوف ماركوس أوريليوس، وقد تحوّل ماكسيموس إلى مصارع يسعى للانتقام من الإمبراطور كومودوس. استند الفيلم إلى حبكة قوية تتميز بالعمق العاطفي والصراع الدرامي بين الشرف والفساد.
وكان أداء راسل كرو بدور ماكسيموس محورياً، إذ قدم شخصية قوية ومؤثرة عاطفياً. فأكسبه جائزة الأوسكار كأفضل ممثل. كذلك، كان أداء واكين فينيكس بدور كومودوس مثالياً في تجسيد الطاغية المضطرب.
وبعد مرور 24 عاما على عرض فيلم “المصارع”، تفاجأ العالم باصدار مخرجه العالمي ريدلي سكوت جزءًا ثانيًا له، مع استمرار سيرة ماكسيموس عبر “ولده” لوسيوس الذي ظهر في الجزء الأول صبيا ابن الملكة لوسيلا، وهنا ثمة سؤال. في الجزء الأول لم يأت على ذكر هذا الأمر ولو كان خفيا، بل هناك حوار بين ماكسيموس ولوسيلا يعزيها بزوجها الراحل ووالد ابنها لوسيوس، فكيف أصبح لوسيوس ولده في الجزء الثاني فجأة!
عموما لعلها رغبة سكوت أن يكون الثاني تكملة لأحداث الأول ، ولكن مع تركيز جديد على شخصية لوسيوس، ابن لوسيلا وماكسيموس الآن، ليُظهر الفيلم استمرار الصراع بين القيم الإنسانية والطموحات السياسية في روما القديمة، مع استمرار قصة الانتقام التي كانت بسيطة لكنها مؤثرة في،الجزء الأول، مما جعلها تلامس الجمهور بسهولة. ليقع سكوت في تحد مع
الحبكة القديمة بتقديم حبكة جديدة دون الإخلال بأصالة القصة الأصلية. أي استنساخ لحبكة الانتقام قد يُضعف من التأثير.
فالحبكة القديمة كانت قوية في تطورها الدرامي المتصاعد تدريجياً وصولاً إلى نهاية مأساوية لكنها مرضية. إذ اعتمدت القصة على الانتقام كدافع أساسي، لكنها تجاوزت ذلك لتناقش قضايا أعمق مثل الشرف، الولاء، والعدالة.
لذلك كان يجب أن تكون الكتابة قادرة في الحبكة الجديدة  على تقديم قصة تضيف قيمة للقصة الأصلية. فاعتمدت الحبكة الجديدة  على استنساخ مفاهيم الانتقام فحسب، مما يجعلها مكررة أو أقل إبداعًا. وكان من المفترض حبكة جديدة تُركّز على التحولات الشخصية والموضوعات الأعمق، مثل استكشاف القيم الإنسانية والسياسية.
فإذا أرادت الكتابة النجاح، كان عليها أن تبني على إرث النصوص السابقة مع تقديم منظور جديد ومبتكر. وربما قد واجه ذلك تحدياً في خلق حوارات تمتاز بالعمق ذاته الذي اشتهر به الفيلم الأول، خاصة مع غياب شخصية ماكسيموس التي كانت محور الخط الدرامي.
ومع غياب راسل كرو، اعتمد الجزء الثاني بشكل كبير على أداء الممثلين الجدد. إذ كانت الشخصية الرئيسية هي لوسيوس، فإن الأداء سيتطلب تقديم توازن بين إرث الماضي وتحديات الحاضر. مع الأداء المذهل لدنزل واشنطن في دور النخاس ماكرينوس الذي كان يسعى للانتقام من روما كلها. ولعل وجود واشنطن في الجزء الجديد كان رهانا ناجحا لسكوت في أن يحمل واشنطن الفيلم ككل على كاهل خبرته.
وهنا ثمة مقابلة بين أداء بطلي الجزئين، فراسل كرو مثّل قوة وجدية الشخصيات التاريخية أو القيادية، مع حضور سينمائي يعتمد على الهيبة والصراع الداخلي.
في حين تميّز أداء دنزل واشنطن بالتنوع والذكاء التمثيلي، مع قدرة استثنائية على المزج بين الحوار والعاطفة.
بالنهاية كلاهما عظيم، لكن اختيار الأفضل يعتمد على الدور. فإذا كان الدور بطابع ملحمي، فإن راسل كرو تفوّق في الجزء الأول. أما إذا تطلب الدور تعقيداً نفسياً وحوارات غنية، فإن دنزل واشنطن هو الخيار الأمثل للجزء الثاني. وكلاهما رهان سكوت في الأفلام التي شاركوا بها مع سكوت، أهمها فيلم
American Gangster.
كذلك يحسب للمخرج ريدلي سكوت شغفه بالقصص الملحمية والتاريخية، فقد أنتج وأخرج فيلم نابليون العام الماضي، وقبله فيلمي روبن هود ومملكة السماء.
وكما أبدع سكوت في الجزء الأول بتقديم معارك مذهلة وتصوير بصري خلّد روما القديمة بطريقة سينمائية لا تُنسى، إذ كانت المشاهد ديناميكية ومشحونة بالعاطفة.
ليستفيد من تطور تقنيات التصوير المتقدمة في الثاني بتقديم معارك أكثر إثارة، إلا أنها تبقى تحدياً له في الارتقاء بمستوى الأصالة التي ميزت الفيلم الأول.
على مستوى الموسيقى، كان هانز زيمر أبرز عوامل نجاح الجزء الأول، إذ حملت موسيقاه مزيجاً من الحماسة والشجن.
ليستمر التعاون مع زيمر في الجزء الثاني مع موسيقيين من الطراز ذاته، حتى يحافظ الفيلم على إرثه الموسيقي المميز.
أخيرا.. يُعد فيلم المصارع بجزأيه عملاً فنيًا متكاملاً يمزج بين الأداء التمثيلي الرائع، الإخراج المبدع، والكتابة الملهمة. والنجاح في أي عمل سينمائي يعتمد على التوازن بين مقومات العمل، على مستوى الأداء، الإخراج، والكتابة، ليكون التحدي باستمرار ذلك إن كانت القصة مستمرة، غير منتهية. وهو ما يُنتظر أن يقدمه أي عمل جديد ليقف إلى جانب العمل الأصلي كعمل واحد خالد.

فهد توفيق الهندال

One reply on “مراجعة نقدية مقارنة بين جزئي فيلم Gladiator خلود الأول وتحدي الثاني”

رصانة ورؤية ثاقبة في تحليل العملين، نحن أحوج إلى هكذا مقاربات نقدية سينمائية.. استمتعت بما قرأت، وفتحت لي هذه القراءة أفقا جديدًا للعودة إلى مشاهدة الفيلمين مرة أخرى

إعجاب

أضف تعليق