التصنيفات
مدونتي

المثقف والفاشستي

‎ضمن خمس مقالات كتبها على فترات متباعدة ، يطرح الناقد والروائي امبرتو ايكو عدة قضايا متعلقة بالوجود الإنساني، كالأخلاق، العلمانية، التدين، الثقافة، العلاقة مع الآخر، وغيرها. وربما تأتي العلاقة بين هذه المواضيع بما حاول العنوان تضمينه كعلامة أولى للمتلقي، تشي بعلاقات متشابكة متعاقدة فيما بينها لتقديم الأفكار المشكلة لنوعية الأخلاق السائدة اليوم.
‎يذكر مترجم الكتاب سعيد بنكراد في تقديمه الترجمة للعلاقة بين هذه المواضيع والعنوان «دروس في الأخلاق»:
‎مقولات من قبيل «سوء فهم» و»الجهل» بخصوصيات الآخر و»الدونية الحضارية» و»التفوق العرقي» مواقف تندرج كلها ضمن ما يمكن أن يشكل أخلاقا تُعتمد في الحكم على الآخر وتصنيفه. فالـ»نحن» غامضة دائما، لأنها تعتمد معاييرها للحكم على الآخر وتحديد المقبول والمرفوض والمحبذ والمكروه عنده».
‎جاءت فصول الكتاب مقسمة على خمسة عناوين:
‎١-التفكير في الحرب ، وتضمن حربي الخليج 1990 و كوسوفو 1999
‎٢-الفاشية الأبدية
‎٣-حول الصحافة
٤- الأنا والآخر
٥- النزوح والتسامح وغير المسموح به.
‎في مقالة «التفكير في الحرب» ، طرح ايكو قضية أخلاقية يعاني منها المثقف في مسألة تأييدها أو رفضها، مهما كان جدواها من عدمها، حتى لو كانت ضرورية لانقاذ مجتمعات من اضطهاد أنظمة قمعية، لكون المثقف فرد نوعي في المجتمع بما يملكه من معرفة ورؤية لهذا يحذر ايكو المثقف من الاندفاع وراء التصريحات أو التعليق على الحرب، لكونه يدخل في لعبة الحرب الإعلامية دون ان يشعر بذلك، فيصبح بوقا يتم توظيفه بحسب الحاجة، دون أن يقع تحت طائلة الصمت الذي لا يعفيه كذلك من تحمل المسؤولية الفردية على الأقل.
‎يرى ايكو الخيار الأمثل لمثل هذا النوع من التفكير في الحروب بأنه يكمن في التصريح بأن الحرب تلغي كل مبادرة إنسانية، ليرى أن الواجب الثقافي يحتم الاعلان عن استحالة الحرب ولو لم يكن هناك حل بديل.
‎وفي مقالة «الفاشية الأبدية» يعدد ايكو عوامل استمرار الفكر الفاشستي وتكيفه مع مختلف الوضعيات، لتنطلق العوامل من مرجعية عبادة التراث، أي النزعة التقليدية في التفكير ورفض الحداثة كنمطي تفكيري أو ثقافي، مع امكانية توظيفها – الحداثة – علميا وتكنولوجيا لخدمة النظام.
‎كما تستغل الفاشية الكبت والاعدام الاجتماعيين. وبرغم دعوتها لمحاربة النخبوية كطبقة ارستقراطية، لكنها لا تلغي أجندتها السرية القائمة على شعبوية نوعية تلتف حول اسطورة قومية تتلخص في البطل الأول أي الزعيم الأوحد، يبادر للقوة ضد الآخرين في سبيل الحفاظ والتوسع بالأمة وثرواتها ولو على حساب الأمم الأخرى!
‎لقد قدّم لنا امبرتكو ايكو تطبيقا عمليا على المفاهيم الجديدة للأخلاق التي قد تسود الألفية الثالثة كما ظهر في القرن العشرين، ويأتي الكتاب ضمن مجال نقدي للمتلقي ذاته، في بحثه المضني حول أحداث التاريخ ومجريات الواقع، فالكتاب لا يقدم دروسا في ما «يجب ..»، وإنما
“لماذا وكيف وإلى أين ؟”

ونحن نتابع الحرب في أوكرانيا، نتساءل كما طرح ايكو في معرض تساؤلاته في الكتاب، إلى أي مدى ستصمد ثقافة التعايش السلمي في وجهة آلة الحرب التي لم تعد أسلحتها تقليدية، بل تعدتها لما هو أخطر، فجعلت العالم يقف على أصابع قدميه يترقب طبول حروب قادمة لن تكون أقل خطورة من القذائف والمدافع، لكونها تسلب الإنسان مؤونته وأمانه.

فهد توفيق الهندال

2 replies on “المثقف والفاشستي”

أرى إن غالبية البشر ، ما عدا المستفيدين من الحرب ، يتفقون مع ريكو بأن الحرب تلغي كل مبادرة إنسانية، ولابد من البحث الجاد عن حل بديل.

إعجاب

رائع مقال يشرح دور المثقف في الحياة في حال الحرب او السلم ، نتمنى كل المثقفين أن يكونوا على قدر المسؤولية في توعية العامة و دفع الحياة نحو السلام الفكري والاجتماعي و نبذ العنصرية بكل اوجهها

إعجاب

اترك رداً على فلاح إلغاء الرد