تابعت المسلسل السوري (مع وقف التنفيذ) الذي عرض في رمضان الماضي، وهو من تأليف يامن حجلي وعلي وجيه واخراج الفنان سيف سبيعي وبطولة عباس النوري وسلاف فواخرجي وغسان مسعود وآخرون، و سأتوقف بداية مع شخصية (حليم) التي أدّاها باقتدار الفنان غسان مسعود، حليم المثقف المناضل الذي يحلم بمستقبل اجتماعي وسياسي افضل لمجتمعه، ولكنه لم يكن حليما مع ماضيه الذي قضاه في السجن ورغبته بالانتقام الشخصي والطبقي من مجتمعه، ليدفع ثمن غروره وكبريائه أبناءه ( رولا و جبران). قدّم العمل شخصية مثقف مختلفة غير تقليدية، فهو قد يدعو لأفكار ومبادئ، سهلٌ عليه التنازل عنها في لحظة عندما يشعر بالخطر يقترب من أبنائه، إلا أنه وبسبب غروره يمكن أن يضحي بهما في لحظة أخرى أيضا.
شخصية المثقف الذي تحوّل لكتابة المقالات الثقافية التي تدر عليه المال بعد المقالات السياسية الناقدة والتي لم تجلب له سوى المشاكل، لذا فهي ليست غريبة عن واقعنا اليوم، في انتهاز الأفكار والمبادئ الحالمة والاستعراض بها نحو تحقيق مصالح لا تقل فداحة عن واقع السياسي الفاسد و المتسلّق. فشخصيته هنا لا تختلف عن محفوظ عجب في (دموع صاحبة الجلالة) ولا محجوب عبدالدايم في (القاهرة الجديدة) وإن اختلفت التفاصيل، ولكن النتيجة واحدة، صدام مع كل القيم والشعارات وسقوط أخلاقي مدويا جدا هذه المرة!
أما شخصية (جنان) والتي جسدتها الفنانة سلاف فواخرجي فهي نموذج للتحالف السياسي والاقتصادي الذي يقبض على مفاصل الواقع ويسعى لشراء الذمم والأملاك في خطة لتشديد القبضة أكثر على صنع القرار بما فيه مصلحته ومصالح حلفائه.
أخيرا شخصية (فوزان) والذي جسّده باقتدار كبير الفنان عباس النوري، فهو يمثل رجل الشارع الانتهازي الذي يحاول نيل ما تبقى من فتات تحالف المال السياسي مع الاقطاعيين تحت شعار الولاء للسلطة أينما كانت، سعيا منه للصعود من درك أسفل الحياة الحقيرة لاستعادة كرامة مفقودة عبر أي نوع من السلطة والعز على حساب أمثاله من المسحوقين في المجتمع.
لقد جاء العمل (مع وقف التنفيذ) وكما هو عنوانه تعبيرا عن وقف الكثير من مشاريع التنمية الفكرية والاقتصادية والسياسية بسبب شخصيات تسلقت هذه الشعارات نحو مصالحها الضيقة وتركت المجتمع يسبح في القاع دون حراك اجتماعي واع ومستنير!
فهد توفيق الهندال


2 replies on “مع وقف التنفيذ”
قراءة ممتازة لما حواه هذا العمل الهادف، ولكن الجميل في المقال الملاحظة الجميلة حول شخصيات العمل بأنها مثقفة، و رغم ثقافتها أبت الا الانتقام… وهنا سؤال يا صديقي لماذا لم تأثر به الثقافة في كبح جماح الانتقام؟؟
هل كانت ثقافة زائفة؟؟؟
إعجابإعجاب
تحليل رائع للشخصيات أستاذي
وتناول الخلفية الثقافية والفكرية لكل شخصية على حدا أثرى المقال جداً ..
إعجابإعجاب