يعتقد العديد من الباحثين، أن الخطاب السردي ليس وسيطا حياديا لتمثيل الأحداث والسيرورات التاريخية، بل هو المادة التي تُصاغ منها نظرة أسطورية للواقع و “محتوى” مفاهيمي زائف يُسبغ على الأحداث الواقعية عند استخدامه لتمثيلها تماسكا وهميا ويشحنها بتلك المعاني التي يتسم بها الفكر المرتبط بالأحلام لا اليقظة.
فالسرد ليس مجرد شكل خطابي حيادي قد يستخدم أولا لتمثيل الأحداث الحقيقية من حيث هي سيرورات تطور، بل قد ينطوي على خيارات أنطولوجية ومعرفية ذات استنتاجات أيديولوجية، بل حتى سياسية متمايزة.
يقول رولان بارت: ” السرد موجود ببساطة كالحياة نفسها، أممي وعابر للتاريخ وللثقافات”. بهذا يكون السرد أبعد عن ما يكون مجرد شكل فضفضة ذاتية، أو إعادة تدوير سيرة شخصية في محاولة لمحاكاة الشكل الروائي. فالروائي باحث في أصل حضوره الثقافي، ووعيه الإبداعي، بما يملكه من تخييل فني قادر على ترجمة الفعل المعرفي إلى قول قصصي، يمكن ترجمته دون أضرار في اللغة، لكون المعنى المحيط بالسرد ذا طابع إنساني، عام في خطابه مهما كان خاصا في حكايته.
واللغة مهما كانت متخيلة في السرد، فهي تعود إلى ذات لغة الواقع، فالتخييل ابن الواقع، يستمد منه معجم اللغة وقوة الدلالة، واستغرب ممن يحاول الفصل بين لغة التخييل ولغة الواقع، على أن الأولى هي لغة المُتخيّل أي المبدع / الروائي/ القاص / الشاعر. فأتساءل.. ماهو الاختلاف المعجمي بين لغة التخييل ولغة الواقع؟
وهل يكتب الروائي عمله بلغة تختلف عن لغة المجتمع والعالم الذي يعيش به؟
وهل ينطبق على ذلك مفهوم ” التخييل المضاعف” أي أن الرواية تطوّر وعي شخصياتها وتصاعد أحداثها وتغيّر المكان بفعل الكتابة التي تعتبر مرجعية العمل ذاته الوحيدة والحاضرة، دون مرجعية أخرى!
فهل يتطور وعي كتابي دون سياق ثقافي واجتماعي وتاريخي وفني ؟
عندما اخترت عنوان المقال “الروائي الباحث” لا اعني اقتصار مهمة البحث على الروائي فقط، بل هي مطلوبة من القاص والسارد عموما، ولكن لكون الرواية اليوم هي منجز سردي يتمتع بحدود عريضة وأفق بعيد ولغة مفتوحة على احتمالات عديدة، كان اختيارنا للرواية كنموذج فعلي على مهمة البحث في العمل السردي.
وهو ما سنفصل به القول لاحقا.
فهد توفيق الهندال


One reply on “الروائي الباحث -١”
مقال مفيد في وصف حالة الراوي و مدى تأثيره و تأثُره في ما حوله من أحداث في حياتنا اليومية
إعجابإعجاب