عندما كنا صغارا ، كانت متعتنا في مرحلة التعليم العام عندما نعلم أنه لدينا اليوم رحلة ، وكانت غالبا ما تكون للمتحف العلمي أو معرض الكتاب من باب الاستفادة من النشاط العلمي والتربوي . من ضمن الزيارات أيضا ، كانت حديقة الحيوان ، من باب الترفيه والترويح والمعرفة بدل يوم دراسي مقره الفصل . ولعلنا في تلك السن كنا نتمتع برؤية الأسد في قفصه ، مع بقية الضواري ، كما هي حالة الغزلان والطيور والكائنات الأليفة ، ولا تخلو الرحلة من وجود متطفلين و مزعجين يضايقون الحيوانات عبر سلوكيات مرفوضة في حق الحيوان .
استذكر هنا مقال للروائي العالمي خوسيه ساراماجو أنه يمكن الاستفادة من البرامج الوثائقية الكثيرة حول حياة الحيوانات متوفرة على قنوات فضائية عديدة ، دون الزيارات التي أصبحت نوعا من الماضي ومضيعة للوقت لعدم وجود أي أثر تعليمي أو تربوي بالقدر نفسه اليوم . ليربط ذلك أيضا بمعاناتها – الحيوانات – في خيم السيرك وما تتعرض له من ترويض / تعذيب لتكون أليفة / مطيعة لوحشية وسخرية الإنسان !
بعيدا عن قضبان حدائق الحيوان ، هناك نوع آخر من قضبان الترفيه ، حيث الموضة وكل ما يتعلق بالمظاهر بما نشاهده يوميا من آخر صرخاتها و موديلاتها التي أضحت متعلقة بثقافة المجتمع وهويته ، فبات يحكم على تحضره وتقدمه بحسب مدى اقباله وتأثره بما يتم ابتكاره من جديد الموضة ، وقد ساهمت كثيرا وسائل التواصل الاجتماعي في استعباد المشاعر والعواطف للمشاهير أو المؤثرين الذين انقلبوا إلى أدوات للترويج الاستهلاكي ووسائل تحركها الشركات بكل مستوى حضورها وقوتها على الساحة الشرائية ، فبات العقل مغيبا وراء هؤلاء ، لدرجة التقليد الأعمى ، لمجرد المتعة فقط . والقضبان هنا مشتركة متبادلة بين الفاشينيستا والمتابع ،الأول فرض على نفسه هذا القيد والدخول السافر في حياته الخاصة بحجة أننا في زمن العولمة والسوشيال ميديا و” البزنس ” ، والثاني قيّد نفسه إراديا وراء حياة الأول ليكون قدوته الأولى في نهج حياته وسلوكياته!.
استذكر هنا فيلم ( عالم ترومان ) لجيم كاري الذي كان مقدمة لما سمّي بتلفزيون الواقع ، حيث تتم مصادرة حياة الإنسان ليكون مادة للـ show بحسب قياس المنتج والممول . كذلك فيلم( EDTV ) لماثيو ماكونهي وتعاقد رجل مع إحدى الفضايات ليكون مادة عرض على مدى اربع وعشرين ساعة بمرافقة الكاميرا المتجولة / المتدخلة بكل خصوصياته ، حيث ضاق ذرعا من هذا القيد والبقاء خلف قضبان الترفيه والتاجر !
ما نحاول هنا هو الربط بين هذه القضبان ، أن الإنسان والحيوان ، باتا معا خلف القضبان باختلاف أنواعها ، تدفع جميعها ثمن الفضول والوحشية اليوم في انتهاك حقوق الحياة .
في موضوع آخر ، نعود عبره إلى ساراماجو ، يذكر في مقال مقارب عن أن الريش الصيني المستخدم في حشو الوسائد الفاخرة ، يتم نتفه من الطيور وهي حية ، قبل أن ينظف ويطهر ويصدّر إلى المجتمعات الغربية المتحضرة ، التي تعرف ما هو الأفضل لشعوبها وما هي آخر الموضة . ليكتفي ساراماجو بتعليقه أخيرا ( هذا الريش يتكلم عن نفسه ) !!
فهد توفيق الهندال

