التصنيفات
مدونتي

ثقافة الأمثال

الأمثال العالمية الناطقة بلسان الحيوان كثيرة ، كما هي المتمثلة لسلوكياته ، حيث تُسقط على حياة الإنسان وتفكيره وسلوكه ، لكون الاثنان ، الإنسان والحيوان ، شريكي الأرض والحياة بكل مكتسباتها وخسارتها . وقد يشكل الرمز في المثل هامشا ممكنا للخيال حول طبيعة مجتمع ما ، يعاني ظاهرة معينة بشكل جماعي ، تشكّل مع الوقت وعيا جمعيا في ضرورة التخلص منها . كذلك الأمثال العالمية التي تدور حول حياة الحيوان ، فإنها لا تخرج من هذا السياق .

يقول جيرومي كو واديو الأستاذ المحاضر بجامعة ( الحسن واتارا ) ، في كوتديفوار عن هذه النوع من الثقافة : ” نحن ما زلنا نعيش في ثقافة المشافهة، ثقافة تتبوّأ الحيوانات والنباتات فيها مكانة بارزة. نحن نلجأ إلى ميزات الحيوان لتمرير رسالة ما “.

وقد حفل التراث العربي بالعديد من الأمثال التي جرت على لسان الحيوان والطير ، فلكل منها منطق وعقل تتخذ عبره سلوكها . فأينما كانت ، لها صفاتها العاقلة والمفكرة ، لهذا ارتأى المؤلف المجهول أن يجري بعض الحكايات علي لسانها ، ليس من باب الرمز فقط ، ومن باب التدبر في حياة الحيوان المعقدة كما هي حياة الإنسان ، ومن هذه الأمثال ما قيل ( في بيته يؤتى الحكم) .

قصة هذا المثل تقول : ” قالوا إن الأرنب التقطت ثمرة فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب، فقالت الأرنب : «يا أبا الحسل»، فقال: «سميعاً دعوت»، قالت : «أتيناك لنختصم إليك» ، قال : «عادلاً حكّمتما» قالت : «فأخرج إلينا»، قال: «في بيته يؤتى الحكم» ، قالت: «إني وجدت ثمرة» ، قال: «حلوةٌ، فكليها» ، قالت : «فاختلسها الثعلب»، قال: «لنفسه بغى الخير»، قالت: «فلطمته»، قال: «بحقك أخذت»، قالت: «فلطمني»، قال: «حر انتصر»، قالت: «فاقض بينا»، قال: «قد قضيت» ” .

والأمثال العربية شأنها شأن الأمثال التي يعيش فيها الإنسان شريكا للحيوان في بيئته ، فهناك مجموعة من الأمثال الافريقية التي ترمز لتصرفات البشر في طبيعة الحياة الفطرية من حولنا . فينطبق على الباحث عن المشاكل هذا المثل السنغالي : ” من يُثر عش الدبابير، عليه أن يجيد الركض ” . وعن الغارق في السخرية من الآخرين وساكتا عن عيوبه هذا المثل الكونغولي ” اعبر النهرقبل أن تبدأ في التهكم على التمساح ” . و أخيرا عن الوسط الذي يعيش يجد الإنسان فيه سعده ، قد يجد فيها بؤسه ، كما هذا المثل ” السمك يثق بالماء،لكنه هو ذاته الماء الذي سيطبخ فيه ” (بوركينافاسو) .

لنختم المقال بما يراه البروفيسور كواديو بأن هناك عددا من الأمثال ستبقى محتفظة بأهميتها خلال مدة زمنية أخرى . ويضرب أمثلة عنها : “يبثّ الفهد الرعب، حتى وإن فقد أنيابه”، و “رجل بلا امرأة، كسلحفاة دون قوقعة ” . ليقول كواديو : ” رغم الحداثة ،فإن اندثار الأمثال لن يكون أمده قريبا، لأن الأمثال تعيش بالمشافهة، والكلمة هي التي تصنع المثل الأفريقي “.

فهد توفيق الهندال

2 replies on “ثقافة الأمثال”

تحية طيبة
مقالك يوقفنا بمغزى اخر من خلال التعبير واستخدام لسان الحيوان في اغراض سياسية ولا استبعد هذا في قصص كليلة ودمنة التي لها ابعاد سياسية ضد الدولة اكثر مما هي قصص تسلية لان الرمزية التي استخدمها ابن المقفع رمزية خطيرة في وصف رجالات الدولة برموز واصواتحيوانات نطقت على لسان الحيوان وخصوصا ( واعني هذا الخصوص لمن قرأ هذا الكتاب) ان أبرز شخصيات الحيوانات التي يتضمّنها الكتاب، الأسد الذي يلعب دور الملك، وهي ربما اشارة للملك العباسي انذاك . وخادمه الثور الذي يُدعى «شتربه» وهو اشارة ربما للحاجب او الوزير.
وكذلك انعكاس الحكمة والموعظة التي اوجدها ايسوب في قصصه والحديث عن الرمزية والتأويل قابل للنقد والرد.

دمتم سالمين استاذنا العزيز

إعجاب

الأمثال عبارات موجزة بليغة شائعة الاستعمال، تعتمد أساسا على التشبيه وتتوارثها الأجيال، كما أن المثل، مرآة تعكس صورة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية دون تكلف.
وكما تؤخذ الأمثال من لسان الحيوان والنبات فقد تؤخذ من الحكاية، ( الصيف ضيعت اللبن ) أو ( جزاءه جزاء سنمار). أو من الطبيعة، ( بلغ السيل الزبى).
ووردت الأمثال في القرآن الكريم ( في سورة الرعد (14) : «إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه». وفي مواضع كريمة أخرى.
المثل يوجه إلی جمهور متفاوت في الثقافة والفهم والتأثر ويتقبله الجميع على مر العصور لأنه حصاد خبرة إنسانية عميقة.
استمتعت بقراءة المقال الجميل، أستاذ فهد الهندال، شكرا لكم.

إعجاب

اترك رداً على جميلة سيد علي إلغاء الرد