التصنيفات
مدونتي

سنة الحياة

صارت عندي هواية جديدة في زمن كورونا، أبحث وأعبث وأتجول في الهواتف القديمة، وصناديق البريد المهملة، والحوارات المنسية في الماسنجرات والقروبات التي عملت لها left أو كان نصيبي منها removed. تصيبني الدهشة والضحكة معا، على آراء ومواقف وتحليلات، استذكر مختلف عبارات الشكر والود والظن لأقول:”سبحان مغيّر الأحوال من حال إلى حال” .
هواية أنصحكم بها لنعرف كم هو عبثيُ هذا العالم من حولنا، وكم تغيّرنا.
دون أن أنسى الصور، التي ليس لها مكان إلا في saved folder
والرسائل التي لم تغادر بعد draft folder، ربما كانت من ممكن أن تحدث فرقا أو لا.

فجميل أن نستعيد الماضي للحظة، لكي نقف على حافة اليوم، نستطلع الغد بما يمكن أن يشكله من تحدٍ جديد أو تغيير لما هو أفضل.

القول الذي يردده الكثير “الله لا يغيّر علينا” يحتمل الثبات على أمس مضى كان جميلا لم يستمر، أو حاضر حلوه متساوي مع مره، دون زيادة أو نقصان. لكنه في حقيقة الأمر خوف وقلق من غد غامض مجهول، لم تتضح ملامحه أو معالمه. لذلك، كان هذا القول ” الله لا يغيّر علينا” سببا لكثير من الجمود والرضوخ لذاكرة واحدة محددة، لا تحتفظ إلا الجميل المؤنس.

أخيرا.. أختم بما قاله الشاعرأبو القاسم الشابي

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ

تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ

من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ

كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ

وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ

ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ

وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ

إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ

رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

عولمة كوفيد 19

قبل مطلع الألفية الثالثة، استعد العالم لدخول عصر العولمة بمزيد من الاستعداد الثقافي والتكنولوجي مع بداية قرن جديد، يختلف في تفاصيل أحداثه عن القرنين السابقين، مع عدم اختلاف عناوين القضايا الكبرى. فحتما سيشهد ثورات مختلفة في وسائلها، ولكن تتفق في أسبابها مع الثورات السابقة. لكن الثورة الجديدة والمختلفة عنوانا وتفصيلا تتمثل في عالم المعلومات والتواصل الإجتماعي، مما مكّن المجتمعات المدنية لأن تكون خارج نطاق الوصاية والقبضة الحديدة السابقة.

ولكن هل استفاد كل العالم من ذلك؟

لاشك أن الإجابة ستكون محصورة في العالم الأول وربما الثاني، حيث تجاوزت مجتمعاتها أنظمتها ودخلت في منظومة معلومات مشتركة في حالة تحديث مستمر على مستوى العلم والانتاج.

أما العالم الثالث فما يزال قابعا تحت تأثير الثقافة الاستهلاكية والتوظيف السلبي للتكنولوجيا وثورة عالم الاتصالات.

فلا نجد اختراعا أو ابتكارا هنا إلا وقد دخلت أصابع علماء الغرب في صناعته وتوجيهه وتحريكه!

على سبيل المثال المُعاش اليوم، عندما رزح العالم تحت وطأة جائحة كورونا، دخل علماء العالم الأول والثاني في صراع مع الزمن في اكتشاف لقاح لهذا الوباء القاتل، فيما انشغل معظم منظري العالم الثالث بوجود مؤامرة جديدة عليهم!

لأتساءل، كم عدد المؤامرات التي رزح تحتها العقل هنا حتى استهلكت كل فرص التفكير الإبداعي والصناعي وحل محله “التفكير” الاستهلاكي فقط؟

الاجابة باختصار، مرد هذا التفكير الاستهلاكي الشعور الدائم لإنسان اليوم بأنه مؤقت في مكان مؤقت لا يستدعي جهدا أو طموحا نحو مستقبل دائم، مادام ينتظر طابور التحديات يمر عليه وهو ساكن في مكانه.

صحيح بأن الواقع يحمل مرارة مستمرة، ولكن عندما يتجه تركيز كل منا لاصلاح عالمه الصغير وتطوره، حتما سينعكس على العالم المحيط.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مقالات

العبث في زمن كورونا

انطلقت فكرة العبث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من تدمير الإنسان لإرثه الحضاري والعلمي بدعم من الفساد الأخلاقي للثورة الصناعية في أخطر منجزاتها المتمثلة بالترسانة المسلحة، وأصبحت ذراعا قويا بيد كل أحمق طامع بالتوسع الدموي، كما فعل هتلر مُشعل هذه الجولة الثانية من الحرب العالمية.اليوم نمر بحالة عالمية مشابهة، ليست أداتها الحرب العسكرية هذه المرة، وإنما الصراع الاقتصادي والتجاري بين دول العالم، فوصلنا حتى الدرك الأسفل منه بتفشي فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 ، ليستمر سقوط معاني التطور الحضاري والتمدن البشري، فهي لم تبدأ بالسقوط اليوم وإنما منذ ارتضى الإنسان لأخيه الإنسان أن يعيش رازحا تحت ضغوط الفقر والمرض في بقية أرجاء المعمورة، وهو ما ينافي القيمة الأخلاقية للبشرية المفترضة.أمام هذه الحقيقة القاسية لانتشار كورونا، أين موقع الأدب اليوم؟هل ما يزال القائمون عليه ينتظرون انجلاء الجائحة حتى يبدأوا في خط مشاهداتهم وتأملاتهم للعالم قبل وبعد كورونا عبر أعمالهم الأدبية شعرا أو سردا؟إلى أي مدى يمكن أن يعبر الأدب عن المعاناة الإنسانية المواكبة لانتشارالوباء وتصاعد أعداد الوفيات بشكل خطير جدا، وتكالب الدول على مصالحها الخاصة، وتبدل مفهوم المجتمع المدني في دول متقدمة، حيث يتسابق أفراده على الغذاء والدواء وسط ما وصل إليه من طمع وجشع في جوانبه المظلمة،  في ظل عالم تراجع عن فكرة العولمة، وأصبحت دوله تعيش منعزلة في حجر ذاتي اضطراري، ليتحول البشر فيه لشاشات منعكسة لشاشات وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من أخبار وإشاعات وعلو خطاب الكراهية، فبات في تقاتل إجتماعي أكثر وليس تباعدًا اجتماعيًا مطلوبًا كشكل وقائي من انتشار الفيروس، وهذا كله يشكّل قمة العبث!نعيش عبثية أكثر مما توقعها بيكيت و أونيسكو وآداموف وغيرهم، فنحن نرزح في فوضى عارمة، ننتظر الخروج منها، كانتظار استراجون وفلاديمير لجودو، ننتظر ومعنا أشباه بوزو ولاكي في وسط هذه الفوضى التي تسجل لحظة مهمة في حياتنا، يمكن أن نشبهها بما قاله أحدهم يوما:(البشرية هي نحن في هذا المكان، وفي هذه اللحظة من الزمان ) !أخيرا.. إذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فإن الأدب يكتبه الناجون من معارك الحياة، وليس بالضرورة أن يكونوا منتصرين!