التصنيفات
مدونتي

جدلية الفنون في الخطاب الإعلامي الجديد



في عالم يتقاطع فيه الفن والإعلام على نحو غير مسبوق، تبرز جدلية الفنون في الخطاب الإعلامي الجديد كإحدى الإشكاليات الثقافية والفكرية المعاصرة. فلم يعد الفن ذلك الكيان المستقل الذي يعيش في صالات العرض أو صفحات الكتب، بل صار اليوم أداة مركزيّة داخل المنظومة الإعلامية الرقمية، يُعاد تشكيله باستمرار لخدمة أجندات، أو التأثير في وجدان الجمهور، أو حتى بوصفه لغة خطابية بحد ذاتها.

1. تحولات المشهد: من الجماليات إلى الوظيفة
مع صعود الإعلام الجديد القائم على التفاعلية والبصرية الفائقة، تغيّر مفهوم “الفن” من كونه تعبيرًا عن الذات أو الجماعة، إلى أداة توصل الرسائل وتبني الرأي العام. وهنا تبرز إشكالية: هل ما يُنتَج اليوم فن، أم دعاية؟
قد يجيب مارشال ماكلوهان، المفكر الكندي في وسائل الإعلام:
“الفن هو رادار المجتمع، يكشف عنه قبل أن يعي هو ذاته ما يحدث.” وهذا يكشف كيف بات الفن مستبقًا لتحولات الواقع، لكنه حين يدخل دائرة الإعلام يتحول أحيانًا إلى أداة استهلاك لحظي، لا كشف مستقبلي. ورغم جاذبية الصورة الاستعارية التي يقدمها ماكلوهان، إلا أن تشبيه الفن بـ”الرادار” يحمل نزعة حتمية مفرطة. لا يكون الفن دومًا استباقيًا لتحولات المجتمع، بل في أحيان كثيرة يكون ارتكاسيًا أو حنينيًا، يعيد إنتاج الماضي أو يحاول مقاومة الحاضر لا كشف مستقبله.
كما أن هذا التصور يتجاهل البعد الفردي والذاتي للفن، باعتباره ممارسة شخصية أو حدسية، لا تُختزل في وظيفة استشرافية.


2. الفن كخطاب: هل يمكن أن يكون محايدًا؟
في عالم اليوم، تُستخدم الصور، الموسيقى، وحتى تصميم الشعارات، كأدوات إقناع أو مقاومة. ومع ذلك، لا يمكن للفن أن يكون محايدًا حين يُستخدم ضمن خطابٍ إعلامي مصمم للتأثير والتوجيه. وربما هو ما حدا بالإعلامية الأميركية سوزان سونتاغ لأن تصرّح:
“كل صورة هي أيضًا تلاعب بالواقع… ليست الصورة محايدة، إنها إعلان موقف.”
في ظل هذا، يصبح الفن في الإعلام حقلًا ملغومًا بالنيات والسياقات، لا مجرد تعبير حر. في هذا القول، تميل سونتاغ إلى تسييس الصورة بوصفها أداة موقف، ما قد يُفضي إلى إفراغ الفن البصري من إمكاناته التجريبية أو التأملية. فلا يمكن اختزال كل صورة في موقف. فبعض الأعمال الفنية تعمد إلى الغموض، الإيهام، أو حتى العبث، دون نية مسبقة لصناعة موقف أو خطاب.
كما أن هذا الرأي قد يُستخدم لتجريم الصور بحسن نية، فيتحول الفنانون إلى متهمين بالرسائل المضمَنة حتى إن لم يقصدوها.

3. المنصات الرقمية: ساحة جدل وأداة انتقاء
فرضت المنصات الرقمية إيقاعًا جديدًا للفنون، من خلال: السرعة، القابلية للمشاركة، والتفاعل اللحظي. ليصبح العمل الفني مطالبًا بالإيجاز والجاذبية البصرية أكثر من العمق.
فيقول الناقد الإعلامي نيل بوستمان: “نحن نمرح أنفسنا حتى الموت. الثقافة المرئية تستهلك المعنى لتحوله إلى ترفيه.”
وهنا يكمن الخطر: أن يصبح الفن مجرّد عنصر تسويقي في صناعة المحتوى، لا مساحة للتأمل الجمالي. وبوستمان – رغم دقته في رصد ظاهرة ترفيهية طاغية – يتبنى لهجة تشاؤمية قاتمة تُخفي احتمالات مهمة:
فالثقافة المرئية ليست دومًا استهلاكية، بل يمكنها أن تكون أداة للتحفيز المعرفي أو إثارة التساؤلات الكبرى بصيغة مختزلة.
ثم إن تحويل المعنى إلى ترفيه لا يعني بالضرورة سقوط القيمة، بل ربما هو تحوّل في أدوات التأثير لا في عمقه.


4. الفن الشعبي والإعلام الجماهيري
باتت الفنون الشعبية – مثل الرقصات، الأغاني القصيرة، والميمات البصرية – تُقدَّم كجزء من الهوية الإعلامية، لكنها غالبًا تفقد بعدها التاريخي العميق وتُختصر في الاستعراض.
لتقول آريانا هافينغتون، مؤسسة “هافينغتون بوست”:
“في عصر الإعلام الجديد، يتم اختزال الفكرة في ما يمكن مشاركته، لا في ما يمكن التفكير فيه.” وتمثّل رؤية آريانا هافينغتون موقفًا نقديًا صحيحًا تجاه التفاهة المُنتشرة في بعض منصات الإعلام الجديد، لكنها تُعمّم بشكل يُهمّش جهود المبدعين الرقميين الذين يبنون محتوىً عميقًا ضمن شروط العصر.
كذلك، المشاركة ليست نقيضًا للتفكير، بل يمكن أن تكون مدخلًا له، خاصة لدى الأجيال التي تتعلم من خلال التفاعل الرقمي، لا القراءة التأملية وحدها.


5. هل نحن أمام إعلام فني أم فن إعلامي؟
كتب المفكر الفرنسي رولان بارت مرة: “الصور ليست أشياء تُرى فحسب، بل أشياء تُقرأ”. في هذا الطرح البنيوي، يُحمّل بارت الصورة عبئًا تأويليًا لغويًا، كأنما الفن لا يكتمل إلا إذا خضع لسلطة القراءة والنقد. لكن هذه النظرة تتناسى أن بعض الصور أو الأعمال الفنية لا تُقرأ بل تُحسّ، تُعاش، وتُتذوق دون حاجة إلى تحليل لغوي أو تأويلي.
بمعنى آخر، ليست كل تجربة جمالية بحاجة إلى “قراءة”، وبعض الفن ينتصر للصمت لا للنص. واليوم، تذوب الحدود، ويزداد التداخل، وبات الفن أحد أدوات تشكيل الخطاب الإعلامي، ليس كزينة بل كمكوّن جوهري في البنية السردية. فالمتلقي اليوم يُطلب منه أن يفكك الرسائل الفنية كما يفكك خطابًا إعلاميًا، لأن الجمال بات يحمل وظيفة، والدلالة تتجاوز الشكل.

في ظل هذا التداخل، تبرز الحاجة إلى نقد ثقافي يُحلل كيف تُستخدم الفنون في الخطاب الإعلامي: هل تُستنبت لأجل التأثير العاطفي فقط، أم تُستثمر في بناء وعي جماعي؟

إن جدلية الفنون في الخطاب الإعلامي الجديد لا تُحسم بإجابات قاطعة، لكنها تستدعي يقظة فكرية تقاوم الانزلاق نحو الاستهلاك الخالي من المعنى.
وكما قال الناقد الإعلامي الأميركي هربرت شيلر في كتابه الشهير (المتلاعبون بالعقول):
“من يتحكم بالثقافة، يتحكم بالعقول”. وهنا تعبير عن قلق مشروع تجاه سلطة الإعلام وصناعة الثقافة الجماهيرية، لكنها قد تقود إلى نظرية مؤامرة شمولية مبالغ فيها. فالثقافة – رغم التوجيه – ليست فضاءً خاضعًا بالكامل للسلطة، بل تمتلك طاقة مقاومة كامنة، تتجلى في الفن المتمرد، والمحتوى التفاعلي، والخيال الشعبي.
كما أن العقول لا تُستَعبد فقط، بل تُبدع وتنتقد وتُسائل.

د. فهد توفيق الهندال

مارشال ماكلوهان – فيلسوف كندي متخصص في الإعلام

رولان بارت – ناقد فرنسي

سوزان سونتاغ – كاتبة وناقدة أميركية

نيل بوستمان – ناقد ثقافي أميركي

آريانا هافينغتون – مؤسسة موقع “هافينغتون بوست”

هربرت شيلر – ناقد إعلامي أمريكي





التصنيفات
مدونتي

فلسفة الجوائز الأدبية

اتخذت جائزة كتارا للرواية العربية مؤخرا خطوة مهمة٫ عندما أعلنت عن قائمتها الطويلة. حيث ضمت ٦٠ عملا في فئة الروايات المنشورة، و ٦٠ عملا في فئة الروايات غير المنشورة. وهذه تعتبر أطول لائحة طويلة عرفتها الجوائز الأدبية والعربية، مما يشكل بعدا إعلاميا وتسويقيا لصالح الاعمال المرشحة وبعدا موضوعيا وشفافا حول الأعمال المشاركة والمنافسة فيما بينها، وليس مجرد الإعلان عن مشاركة مئات الأعمال ومن ثم قائمة طويلة محددة بأقل من خمسة عشر عملا!

هنا أصابت كتارا ما غاب عن ذهنية بقية الجوائز الأدبية الأخرى في كسب مصداقية أكبر وحماسا لدى الكتاب في أن تحظى أعمالهم بمزيد من التسويق والاهتمام، وليس تكريسا لأسماء بعينها. والمعروف، أن جائزة كتارا للرواية العربية، تعلن بعد نهاية الدورة أسماء المحكمين تحقيقا للشفافية والموضوعية ، لاسيما أنهم من ذوي التخصصات النقدية في السرد. وهذا يكسب الجائزة سمعة مهنية وتخصصية أكثر من غيرها.

فقد اختلفت فلسفة بعض الجوائز الأدبية، وتختلف عما كانت عليه سابقا ، فيتنافس عليها المتنافسون في كل مجالات الأدب، لتختلف من مكان إلى آخر، ومن مؤسسة لأخرى، وفق آليات تصور سياسة القائمين عليها، والغاية التي تطمح للوصول إليها. فهناك جوائز المؤسسات الثقافية الراقية التي تنشد التنافس بين المبدعين لاثراء الساحة بتعدد المواهب والمنجزات، وأخرى تسعى لاتخاذ موقع مؤثر ما على الساحة الثقافية، تربطها مصالح وروابط مع مثيلاتها في شلليات التنفيع المتبادل والمصالح الضيقة.

وإذا ما استعرضنا جملة الجوائز السنوية، فأين موقعها من التصنيفين السابقين ؟

ليس لدي اعتراض على تأسيس جوائز أدبية تمنح للمتميزين في نتاجاتهم، ولست ضد تنوعها وتعددها وتناسلها إقليميا، ولكنني أتحفظ على آلية بعضها غير الواضحة مما تزيد من تهافت / تكالب الكثيرين عليها ، مما قد يساهم في تراجع دور الأدب في توعية وتنمية المجتمع، واضفاء المزيد من المحيرات حول دور الأديب ومهمته المفترضة، هل هي إبداع من أجل الإبداع . أم ابتداع من أجل المنفعة ؟

ومع ذلك ، إن من أبرز إيجابيات هذه الجوائز وأخبارها ، المتابعة الجدية من قبل القارئ العربي بنوعيه العادي والمتخصص للأعمال المرشحة والمتنافسة. ليبقى الحكمُ الحقيقي لديهما، ولو كان شخصيا بالنسبة للأول، وتخصصيا للثاني . ولكننا في النهاية قراء، يعجبنا ما نقرأ أو لا يعجبنا وفق مزاجنا الخاص. ولا يمكننا فرضه على الآخرين . في حين نشترك معا ، بأن الأثر الجمالي للعمل ودهشته يبقيان محفورين في ذهنية القارئ الباحث عن جمال النص، بعيدا عن المزاجية والشللية في توزيع الجوائز.

أخيرا، ومن باب الطرافة، أسس الشاعر عبدالمعطي حجازي ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي، وفاز بجائزته في الدورة الثانية، وسط جدل كيف يفوز بها وقد عمل مقررا للملتقى! الامر الذي اعتبره الشعراء المشاركون بانه يخالف ابسط قواعد واحكام أي جائزة تنأى بنفسها عن شبهة الانحياز الى أي من العاملين عليها.
في حين اعتبر حجازي مقرر الملتقى فوزه بالجائزة امر يدعو للفخر والأعتزاز بها رغم أنها ليست أول اعتراف به كرائد للشعر لافتا الى ان منحه الجائزة يجيء كاعتراف حميم وبليغ له قدره وأثره ومستذكرا زملائه الشعراء الراحلين مبينا ان الجائزة ليست له فحسب وإنما لهم. أي لا شاعر ولا مبدع غيره بين صفوف الأحياء!

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الرواية الفائزة والمفاجِئة

انتهى يوم الاحد الماضي ماراثون 2022 للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) باعلان فوز رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” للروائي الليبي محمد النعّاس، وجاء في تقرير لجنة التحكيم لدورة هذا العام 2022 والذي ألقاه رئيس اللجنة الروائي شكري المبخوت موضحا سبب اختيار الرواية ، نختار منها ما قاله : “استقر رأي اللجنة بالإجماع على تتويج رواية كُتبت بإيقاع سردي سلس في ظاهر النص، هادر متوتر في باطنه، صيغت بلغة عربية حديثة يسيره المأخذ، لكنها تخفي جهدًا في البحث عن أساليب في القول، مناسبة للعالم التخيلي الذي بناه صاحب النص”. والتقرير هنا يشير لأهمية البناء السردي والبحث الروائي الدقيق حول الموضوع بما يفيد أصالة النص وعدم استنساخ فكرته.

ثم يتناول التقرير براعة الكاتب فنيا في رسم شخصيته الأساسية بما ذكره المبخوت:”تمكن صاحب الرواية من تتبع مسار الشخصية وهي تتلعثم، وتستكشف هويتها الحائرة المخالفة للتصورات الاجتماعية السائدة في قرية محافظة، لا تشجع على الحلم”.

كذلك يرسم التقرير صلة الرواية بالواقع والمكان : “وما هذه القري إلا صورة من عالم عربي تهيمن عليه إيديلوجية موروثة مغلقة”. وعن أهمية حضور خطاب ورؤية الكاتب شدد التقرير على فكرة الفردانية في مقارعة العالم بعيدا عن الفكر الجمعي : “الرواية استعادت تجربة فردية في درب من الاعترافات التي نظم السرد المتقن المشوق فوضى تفاصيلها، ليقدم نقدًا عميقًا للتصورات السائدة عن الرجولة والأنوثة، وتقسيم العمل بين الرجل والمرأة، وتأثيرهما النفسي والاجتماعي، تقع الرواية في صلب التساؤلات الثقافية الكونية اليوم حول قضايا الجندر، لكنها منغرسة في آن واحد في بيئتها المحلية والعربية، بعيدًا عن الإسقاط المسف والتناول الإيدولوجي المسيئ لنسبية الرواية وحواريتها”.

إذن لخّص التقرير معيار اختيار رواية النعّاس لموضوعها الآني حول الجندرة والهويات المضطربة، وهي حديث العالم اليوم. ولعل هناك سببا آخر لم يذكر في التقرير، وهو أن العمل هو الثاني روائيا لمحمد النعّاس وهو ما أشار إليه المبخوت في لقاء تلفزيوني بأن رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) هي شهادة ميلاد روائي كبير وهو محمد النعّاس ، وهذا يدل على حدس اللجنة وتوقعها، فإلى جانب المبخوت وهو الروائي والناقد الفذ، والقارئ المتمرس نجد أعضاء اللجنة لا يقلون عنه خبرة وتمرسا في الكتابة والنقد والقراءة كالشاعرة والصحفية سعدية مفرح والروائية والباحثة إيمان حميدان وأستاذة الأدب العربي بجامعة صوفيا ببلغاريا بيان ريحانوفا، والشاعر والمترجم عاشور الطويبي. ويسحب لهم عملهم الصامت بعيدا عن ضغوط الاعلام وتوقعات القراء.

ثمة ملاحظة أخيرة، أن الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة لم يكن معظمها متوفرا في المكتبات ولابد من طلبها مباشرة من الناشر، مع أنها وصلت للقائمة الطويلة ومن ثم القصيرة، ومنها الرواية الفائزة، ولا أعلم موطن الخلل هنا، وأتمنى أن تحرص إدارة الجائزة على أن تولي الأمر هذا اهتمامها لتكون الأعمال المرشحة في المتناول مع اعلان قائمة الروايات التي تقدمت للمسابقة دعما لها وتشجيعا معنويا لكتابها على الأقل .

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الصخرة التي حطمت سميث

حادثة النجم الهوليودي والحائز على أوسكار أفضل ممثل دور أول في ذات الحفل لهذا العام والذي اعتلى منصته وصفع مضيفه كريس روك أمام الملايين من الحاضرين والمشاهدين بسبب تجرأ الأخير بالسخرية من الشعر الحليق لزوجة سميث في فقرته التي تتميز عادة بالدعابة الساخرة، لتتحول الصفعة إلى قصة وترند يتناولها الإعلام الاجتماعي، مع انقسام الآراء بين أحقية ما فعله سميث وبين إدانة فعلته، وهنا أصبحنا أمام جمهورين واضحين، جمهور مؤيد لسميث أيا كانت مبرراته للصفعة وآخر معارض له ولم تؤثر به دموع البطل الهوليودي.

هل ما فعله سميث كان بسبب التنمر اللفظي الذي طال زوجته مباشرة، وهل صفعته لا تعد تنمرا جسديا على روك؟

هل تصرف سميث يتماشى مع مبدأ الرجولة في رد اعتبار زوجته ، أم أنه يعتبر خلل أخلاقي في عدم التصرف بحكمة مع الموقف كرجل في مثل سنه وموقفه؟

هل تصرف روك يعتبر تنمر مع زوجة سميث ولا يعد كذلك مع الآخرين الذي ضحكوا من مداعباته كما كان سميث قبل أن ترمقه زوجته بنظرة عاتبة فصعد على إثرها المسرح وصفع روك وتفوه بما لا يليق في مناسبة الأكاديمية العريقة ؟

أسئلة كثيرة أحاول أن يجيب عليها كلا الجمهورين المؤيد والمعارض لسميث.

ولكن ما حدث هو الأهم فعلا، وأعني صورة ويل سميث بعد الصفعة، وبعد رفض روك تقديم أي شكوى أو طلب اعتذار منه أو ما يمكن أن يرد له اعتباره، هناك قد يتساوى الفعلان، السخرية والصفعة وكلاهما يمثلان تنمرا بحق الآخر، ولكن عدم الرد بالمثل وعدم المطالبة برد الاعتبار هو ما جعل كفة روك تتفوق على كف سميث.

ولكن لنتخيّل معا أن سميث كظم غيظه ولم يرد، وحالما صعد لاستلام الجائزة استغل المنصة لكي يعلن عن رفضه التنمر أيًا كان شكله ودعى للمساهمة في تبني حملة عالمية لمكافحة المرض وآثاره التي تعاني منه زوجته والملايين من النساء في العالم، لكان ردة الفعل أكبر ولصالحه وسجّلت بحروف الذهب في تاريخه.

ما تعرض له ويل سميث لاحقا من انتقادات والغاء عقود واجباره على الاستقالة من الأكاديمية وربما سحب الجائزة منه، هو درس لكل نجم ومشهور، بأن يراقب تصرفاته وسلوكه مهما علا نجمه وطالت قائمة منجزاته .

أخيرا.. برر سميث صفعته بأنها ناتجة عن الجنون الذي يخلقه الحب تجاه من يحب، ولكن فات على سميث على أن الحب يخلق الوعي أكثر من الجنون. والمضحك أن زوجة سميث خرجت عن صمتها مؤخرا ورأت فعل سميث مبالغ فيه وأن روك لا يستحق ما لحق به!!.

إذن، بسمو الأخلاق نعلو كثيرا، وبسوئها ننحدر ونسقط سريعا مهما ارتفعنا في زمن باتت فيه منصات التواصل الاجتماعي تاريخا جديدا مفروضا على العالم اليوم.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مقالات

كواليس الجوائز العربية

يتكرر الحديث عن الجوائز العربية، بالسؤال إما عن كفاءة أعضاء لجان التحكيم أو جودة الأعمال المتنافسة، ولعل الإجابة تكون مختصرة جدا في ثقل اسم الجهة أو دار النشر الفائزة وربما أسماء الكتّاب أو غيرهم ومن ثم نوعية العمل! ما يهمني حقيقة هو بيان لجنة التحكيم وتبرير اختيارها للفائز، منها ما يركز على جوانب العمل الفنية وعمق التجربة والفكرة المحركة، وهي جوانب تكاد تكون نادرة أو شبه غائبة عن البيان، ومنها ما يكون تركيزه على شروط وآليات التقدم والترشيح، وهي الغالبة دوما، لأتساءل هنا.. إن كان العمل قد اختلفت فيه بعض الشروط للتقدم والترشح، كيف تم قبوله للمشاركة أصلا! عندما نتابع جائزة الرواية العربية على سبيل المثال لا الحصر، سنجد أن معيار ترشيح أكثر من رواية لمن وصل للقائمة الطويلة بحسب الشروط الأخيرة كميّ وليس نوعي، وهو كفيل بمعرفة مستوى الأعمال المرشحة أو التي فازت أيضا، وإلا ما الغرض الفني والتقني في اتاحة الفرصة ٥ مرات في ترشيح ٥ روايات لمن وصل للقائمة الطويلة أكثر من ٥ مرات، مقابل حق ترشيح رواية واحدة لمن لم يصل ولا مرة للقائمة الطويلة!!هنا يتجلى بكل وضوح دور الكواليس وحجم الضغوط لاختيار عمل بعينه دون أي اعتبار فني أو فكري، مهما حاول المحكّمون والمنظمون وحتى الفائزون نفي هذه الحقيقة!

فهد الهندال

untitled image