التصنيفات
مدونتي

رحيلٌ مبكّر لإنسان مفكّر

لا أثقل من رحيل الأشخاص المفكرين عن دنيانا، تشعر وكأن موسم الجفاف والقحط بدأ يحاصر العقلانية، ويخنق عنق الحرية. المفكر ليس بالضرورة أستاذ جامعي أو شخص معني بالتفكير النقدي والتحليلي، بل حتى الفنان والرياضي والإنسان الذي يملك خبرة ومحصلة حياتية تتيح له رؤية ما قد يكون ويحلل ما كان، ولو كان إنسانا أميّا.

قبل أسابيع غادرنا الدكتور شفيق ناظم الغبرا إلى حياة أخرى، يلحق بها كل من سبقوه من المفكرين، لاسيما مفكري الكويت، كالدكتور أحمد الربعي، الدكتور أحمد البغدادي ، الدكتور خلدون النقيب، الفنان عبدالحسين عبدالرضا والأديب إسماعيل فهد إسماعيل وآخرون عبروا جسر الحياة نحو ضفة الخلود، وتركونا محاصرين في بقعة الزمن الموحش.

الدكتور شفيق الغبرا لم يكن أستاذا جامعيا فقط، بل مفكرا إنسانيا، ورث الهم الفلسطيني أصلا وتاريخا، فتجسد في تكوينه الذاتي حبا عربيا وولاء كويتيا، ليس لكونه اكتسب الجنسية الكويتية، إنما لتتابع الإرث الإنساني والاجتماعي العربي في وجدانه. لهذا كان خير ناصر لقضايا الكويت في مختلف المنابر الإعلامية، بما يملكه من حجج وبراهين عقلية وواقعية وتاريخية، وهي مهمة ثقيلة لا يضطلع بها أي شخص.

لهذا انتصر الدكتور شفيق الغبرا بمنطقه وهدوئه وعقلانيته، وارتقى في سماء الكويت والعالم العربي والعالم أجمع نجما لامعا، ليبقى عزاءنا في أولاده وطلبته ومحبيه وكتبه ممن تتلمذوا على عقله وأفكاره وحبه الإنساني.

رحم الله الدكتور شفيق ناظم الغبرا

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

رغيف الروح

بمجرد أن تفكر أنك تحتاج إلى قدر من الراحة، لتصفي ذهنك من التزام ما، وتبديل نمط ثيابك اليومية، وتتمرد على عاداتك التي بدأت تضيق عليك آفاق تنفسك، وتخلع كل قبعات النهار المثقلة بالروتين والأرق، فتأتيك الفكرة المجردة عن كل ملابسات الواقع المعاش، حتى يبدأ خيال سويفت يداعب ذهنك، فتتمنى أن تعيش إحدى رحلاته الغوليفرية نحو عوالم مختلفة، لا تجد فيها مجتمعات أقزام أو عمالقة، وإنما تجد نفسك أيها الإنسان بعيدا/ متجردا من كل أقنعة الأيام السابقة، ولو كانت جزيرة في أقصى حدود العالم، تعيش يوميات كروزوية، قد يكون محدثك الوحيد فيها مستر ويلسون!

فالسفر انتقال من جزيرة أناك إلى جزيرة ضائعة أخرى، عابرا أعتى بحار المجهول فيك، تبحث هناك عن كنوزك التي ماتزال مخبأة، فشلت كل محاولات القراصنة للوصول إليها قبلك، بعدما عبثت بها رياح العمر، وحادت عنها أشرعة الأماني، وفشلت رمال الصحراء أن تدفنها حية، مادام نفسٌ فيك يبحث.

السفر عقيدة الأنبياء وملاذ الصالحين، فالعالم خيوط متفرقة، ملونة، لا تسمح لأحد أن يشدها حولك غير روحك، عبر مغزل التجربة، فتعاند حدتها، وتحذر نعومتها، لتتمعن في دقة التكوين المراد، حتى تنسج منها كنزة شتائية تصمد بوجه لسعات برودة المشاعر، صقيع الوحشة وجليد الأنانية.

في حياة الأديب العالمي البرتغالي خوسيه سارماغو تأملات كثيرة عن أسفاره التي امتدت إلى أكثر من أربعين بلدا حول العالم، واقتبس من بعضها عددا من الأعمال، تجد خبرة ذلك تتشكل في قوله:«إن الصور القديمة تخدعنا كثيرا فهي توهمنا بأننا أحياء فيها، وهذا غير صحيح لأن الشخص الذي ننظر إليه فيها لم يعد موجوداً ولو كان بمقدوره أن يرانا فلن يتعرف على نفسه فينا وسيقول: من هذا الذي ينظر إليّ بوجه محزون».

فكم من الصور يمكن أن تُمسح من ذاكرتنا بفضل السفر، وأن نحفظ بدلا منها صورا جديدة تحفل بالطبيعة، بسحرها الأخضر، صفائها الأزرق، لتشكل منابع روحك من جديد. فتهيئ الأرض من تحتك لنغم مختلف، وتعد الأطيار بعزف جميل، لتحكي معك الأشجار حكايات وتغني أحلى المواويل.

العمر، تذكرة سفر واحدة، بلا عودة، فانتهزها، لتطلق عنان روحك، ليعد للحياة أكثر من معنى.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الثقافة: ترف أم بقاء؟

كان هذا عنوان أولى محاضرات مركز جابر الأحمد الثقافي في يوم ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦، قدمها كل من الإعلامي القدير محمد السنعوسي والدكتور سعد بن طفلة العجمي، وكلاهما تقلّد منصب وزير الإعلام في فترتين مختلفتين. أذكر أن الحوار دار بين أسئلة شارك بها الحضور حول ماهية المثقف ودوره، وماهي الثقافة ومن هم النخبة، وغيرها من المفاهيم والأسئلة التي لم تصل المحاضرة ولا مداخلاتها إلى تحديد واضح عنها، مما يعني استمرار الجدل حولها إلى مناسبة أخرى لا تختلف عن مناسبة افتتاح قاعة المحاضرات في مركز جابر الثقافي!

استذكر تلك المحاضرة الأولى ونحن أمام تغيّر قادم محتمل في هوية وهيكل المركز بعد تردد أخبار بنقل تبعيته لوزارة الإعلام. اللافت أنه مر على محاضرات المركز أكثر من وزير سابق للإعلام وقيادات إعلامية سابقة وحاضرة في البلاد، وحمل كل منها هموم وتطلعات في تنمية الثقافة، لذلك كيف سيتم تشكيل مركز جابر الثقافي الآن، وما مدى نسبة التطور والتنمية التي سيمضي بها المركز بعيدا عن بيروقراطية المؤسسات الحكومية .

والسؤال الأهم، إلى أي درجة سيحافظ المركز على ارتفاع السقف في حرية تقديم نوع العمل الفني والنشاط الثقافي؟

لاشك أن المركز يتمتع بشكل حضاري عمراني مبهر على ساحل الخليج العربي، ويضم قاعات ضخمة وممرات منيرة بأفضل أنواع الإضاءة والتجهيزات البصرية. والآن وبعد التغيير المحتمل لهوية المركز، هل سيمضي في طريق البقاء في ظل الرقابة التي ستكون مشددة أكثر تلافيا لأي سؤال أو استجواب برلماني متشدد. أم يكون المكان مقرونا بالترف وسلسلة المطاعم التي حافظت على اسم “الأوبرا” مترددا هنا عبرWord-of-mouth marketing ، دون أن تكون الأوبرا حاضرة بمفهومها الفني والثقافي!

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

قناع المؤلف

 

انتشرت في القرن الماضي فكرة موت المؤلف ، التي روّج لها الناقد الفرنسي رولان بارت في معرض نظرية مفادها إن” مولد القارئ يجب أن يعتمد على موت المؤلف، باعتبار أن قارئ رواية ما لا يستدعي مؤلفها على أساس أنه هو سيد الأثر،وإنما يستحضره كشخص من شخصيات الرواية، إذ لا تعود حياة الكاتب مصدر حكايته وأصلها، وإنما حكاية تنافس أثره وعمله “. تلقت هذه النظرية الكثير من الجدل حولها، وتعالت أصوات مؤيدة وأخرى منددة، ولكننا في هذا المقال سنتوقف عند نقطة المؤلف هو سيد الأثر، مهما تبدلت أقنعته في النص، واختفت هويته الحقيقية وراء كاتب مجهول، مادامت شخصيته حاضرة وأفكاره محلقة خارجة أية وصاية.

في الفيلم المذهلTrumbo المنتج عام 2015 وقد رشّح لعدة جوائز سينمائية أبرزها الأوسكار، يحكي سيرة ذاتية لكاتب الأفلام السينمائية الأمريكي دالتون ترامبو خلال فترة ما يسمى بالقائمة السوداء التي قادتها لجنة مكارثي بالكونغرس الأمريكي فترة أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وهو ما أدى إلى اتهام الآلاف من الأمريكيين بانتماءات شيوعية ، ما تسبب بإدانة الكثير منهم ليقضوا في السجن الفيدرالي عدة سنوات، وسط مقاطعة عموم المجتمع الأمريكي لهم. كان من ضمن من تمت مقاطعته دون سجنه ترامبو الذي رفض الكثير من المنتجين الأمريكيين العمل معه بعد تحذير اتحاد المنتجين السينمائيين من ذلك، الأمر الذي دفع ترامبو إلى حد الافلاس والانهيار النفسي لعائلته، حتى خطرت بباله فكرة كتابة أفلام سينمائية تحت أسماء وهمية، فأخرج وهو في عزلته الكثير من الأعمال الناجحة التي هزت قاعات السينما العالمية تصفيقا واعجابا، برغم محاولة الحرس القديم كشف حيلة ترامبو، وتحذير كل المتعاونين معه دون جدوى، لتحصد أعماله العديد من الجوائز الفنية، على رأسها الأوسكار.

أجمل ما قدمه الفيلم ، لم يكن فقط في تفاصيل السيرة الذاتية ، أوالمواقف التي تجلى بها ترامبو عبر الأداء المذهل للممثل البريطاني بريان كرانستون، وإنما أيضا الفكرة القائلة بأن الأفكار تحلق دون أجنحة، وتصل إلى متلقيها، فتثير متعتهم بصرف النظر عن اسم المؤلف، معلوما أو مجهولا، إضافة إلى الرفض المطلق لأي وصاية تتمثل بأي سلطة في المجتمع تحت دعوى الحفاظ على الثوابت، كما جاء في إجابة ترامبو على أسئلة محققي لجنة الكونغرس : ” بعض الأسئلة التي يمكن إجابتها بنعم أو لا فقط ، تكون من قبل عبد أو معتوه ” . ولهذه العبارة ، عمق كبير في معناها الذي يرفض الاجابات الجاهزة لأسئلة القمع والاختيارات الأحادية المزاج !

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

علي السبتي.. الشعر والرحيل

غادرنا قبل أيام أبو فراس علي السبتي، شاعرنا الكبير الذي مهما تحدثنا عنه، فلن نوفيه حقه مطلقا، كرائد للشعر الحديث في الكويت، أو أديب له حضوره المتميز والمتفرد في قلوب الأدباء و الكتاب الشباب، أو إنسان يترك أثرا عميقا في نفوسنا عندما نستحضره دائما.

الشاعر علي السبتي قامة شعرية أصدر عبر مشواره الأدبي أربع دواوين شعرية تنوعت القصيدة فيها ما بين العمودي والتفعيلة ، ليس على مستوى القصائد ، بل والقصيدة الواحدة التي جمعت هذه الثنائية العروضية . 

في ديوانه الأخير ” رأيت الذي رأى ” ، يقدم لنا السبتي رؤية شاعر مرت عليه تجارب الحياة ومراحلها المتحولة، نحو تبدل أنماطها والقيم السائدة فيها ، بالرغم من أن لكل عصر ظروفه وتحدياته.

ففي وسط اغراء الحياة، وتزينها بأخلاق هشيم، حيث بات الدلال المسرف يشينها لا يجملها، وهو ليس دلالة على تحول تنازلي بالقيم فحسب، بل للربط بين الإغواء القديم واليوم الذي لا تختلف حقيقته، وإن تبدلت صوره، وكثرت روابطه ، سرا وجهرا.

” تحاول إغوائي وغيري خدينها 

                   ولي مني حافظ ومنها قرينها ” 

فهل كانت تدري – هذه الحياة – أي حزن تثير ، و أي درب آخر قد تنير ؟ 

” لو كنت تدرين أي درب سالكة 

                    لكنت كالنجم يهدي السائر السّبلا 

ولست أعتب .. نفسي لا تطاوعني 

                   لكن حزنا بقلبي فاض مشتعلا 

وما تكشّف لي ما عاد محتملا 

                  فصرت أشكو إليك .. منك ما حملا ” 

وفي حين يكون الهوى مغلوبا لا غلابا إذا ما ارتبط بغير نفس الحر ، ولو ازدانت حوله الحياة كما قال الشاعر :

” ونفس الحر إن وجدت هواها 

                 بغير وعائها لا تستقيم ” 

فإن الشاعر يتبع هواه في نهاية الأمر  :

” وفي ملتي أن الهوى يتبع الهوى

                         وإن هوى نفسي لقلبي تابع “

إذن نحن نقف أمام جدل الهوى مع الشاعر . 

ووسط الحطام التي خلفته مادية الواقع ، والقهر المتسلل إلى عزة النفس وأعماق الروح ، ينسحب الواحد منا إلى عالمه الداخلي الرحب ، مما يجعل الآخرين يظنون بك يأسا من حياة أو هربا من حقيقة أو غربة بمعية عشير ، تاركا حفلات الخداع ومزادات الادعياء ، منفردا في صوته المحلق بعيدا / غريبا عن هكذا حياة :

” يسألونك 

كيف تعيش وأنت وحيد

قل لهم : من يرى خلف هذا السديم

زمانا جديدا 

كيف يحيا وحيد ؟ “

إنه زمان عجيب ، منتظر ، مليء بكل التناقضات ، والمعادلات المقلوبة ، التي يبحث فيها الواحد منا عن موقع فيها ، يحقق وجوده ، دون العدم :

” هل أنا رقم بين الناس 

أم أن الناس هم الأرقام

وأنا صفر في غير مكاني ! 

أو أن زمانا يأتي غير زماني “

ليعود الشاعر ويقر بما رآه في زمانه وما لم يره الآخرون اليوم :

” وإني قد رايت وما رأيتم 

                  زمانا تزدهي فيه النجوم

يعيش العارفون به سراة 

                 ويبقى الأرذلون كما أُسيم ” 

إلى جانب ذلك ، فإن الديوان ” رايت الذي رأى ” حافل بقصائد ذات حضور وجداني ، قومي ، و إنساني ، ويتمثل الجانب القومي في قصيدة ” رسالة من جندي كويتي إلى زوجته ” ، والوجداني في قصيديتين مهداتين إلى صديقة الشاعر الراحل خالد سعود الزيد الذي جمعته به سنوات طويلة ومعارف شتى ، فيجده – الزيد – فريدا / وحيدا في الحياة التي كان بها :

” لا شاطئ يأويك ولا ميناء

ميناؤك بين ضلوعك 

فاخل تأمن 

مرساتك تاريخك

يزهو بك في كل زمان ” 

ونختم بقصيدته ” البرتقالة المضيئة ” التي أهداها إلى أحمد متولي حارس رابطة الأدباء ، حيث سؤاله – الشاعر – له عن تلك الشجرة ، ليقول :

” قال لي : أثمر البرتقال

قلت : من بعد ما أثمر الهجر

والشعر آذن بالارتحال

والمكان غدا مرتعا للنِمال 

بعد أن كان بستان حبٍّ

تُرقّص أغصانه نسماتُ الشمال ” 

هذا مقال لا نمل أن نكتب غيره ، عن شاعرنا الكبير ، شاعر إنسان له نظرته العميقة في هذه الحياة ، وقلب كبير.

فرحمك الله يا أبا فراس، وإنا على فراقكم لمحزونون.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

فهد توفيق الهندال

تصوير الصديقة فتحية الحداد

التصنيفات
مدونتي

عولمة كوفيد 19

قبل مطلع الألفية الثالثة، استعد العالم لدخول عصر العولمة بمزيد من الاستعداد الثقافي والتكنولوجي مع بداية قرن جديد، يختلف في تفاصيل أحداثه عن القرنين السابقين، مع عدم اختلاف عناوين القضايا الكبرى. فحتما سيشهد ثورات مختلفة في وسائلها، ولكن تتفق في أسبابها مع الثورات السابقة. لكن الثورة الجديدة والمختلفة عنوانا وتفصيلا تتمثل في عالم المعلومات والتواصل الإجتماعي، مما مكّن المجتمعات المدنية لأن تكون خارج نطاق الوصاية والقبضة الحديدة السابقة.

ولكن هل استفاد كل العالم من ذلك؟

لاشك أن الإجابة ستكون محصورة في العالم الأول وربما الثاني، حيث تجاوزت مجتمعاتها أنظمتها ودخلت في منظومة معلومات مشتركة في حالة تحديث مستمر على مستوى العلم والانتاج.

أما العالم الثالث فما يزال قابعا تحت تأثير الثقافة الاستهلاكية والتوظيف السلبي للتكنولوجيا وثورة عالم الاتصالات.

فلا نجد اختراعا أو ابتكارا هنا إلا وقد دخلت أصابع علماء الغرب في صناعته وتوجيهه وتحريكه!

على سبيل المثال المُعاش اليوم، عندما رزح العالم تحت وطأة جائحة كورونا، دخل علماء العالم الأول والثاني في صراع مع الزمن في اكتشاف لقاح لهذا الوباء القاتل، فيما انشغل معظم منظري العالم الثالث بوجود مؤامرة جديدة عليهم!

لأتساءل، كم عدد المؤامرات التي رزح تحتها العقل هنا حتى استهلكت كل فرص التفكير الإبداعي والصناعي وحل محله “التفكير” الاستهلاكي فقط؟

الاجابة باختصار، مرد هذا التفكير الاستهلاكي الشعور الدائم لإنسان اليوم بأنه مؤقت في مكان مؤقت لا يستدعي جهدا أو طموحا نحو مستقبل دائم، مادام ينتظر طابور التحديات يمر عليه وهو ساكن في مكانه.

صحيح بأن الواقع يحمل مرارة مستمرة، ولكن عندما يتجه تركيز كل منا لاصلاح عالمه الصغير وتطوره، حتما سينعكس على العالم المحيط.

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الأديب الأمين

أسماء قليلة هي التي تشغل ذاكرة الحاضر والمستقبل بعطائها الفكري وموقفها الثقافي ورأيها الثابت حول قضايا الثقافة والوطن. تستمد أصالة هويتها الفكرية من جوهر حياة تقاسمت فيها الفرص، ما بين التضحية والعطاء. تنتمي في ذلك إلى جوهر وسبب هذا الوجود، وأعني الإنسان المفكر والساكـن فينا، مهمـا حاول الزمـن أن يتغافل عـنه وعن دوره الأساسي في رقي الأمم والحضارات، وهو الذي يرفض الركون إلى ميـراث سابق أو ذكرى مجد عابر يجمّد العقل ويقصي التفكير الحر عن خارطته المنطقية والواقعية. فالمفكر، نتاج و عقل أمة كافحت من أجل تنوير أجيالها ضد شراك الجهالة والوصاية المقيّدة.

هكذا الأديب القدير الدكتور خليفة الوقيان الذي يشكّل موقفا واضحا وقصيدة معبرة عن الرأي الحر، ليكمل مهمته الشاقة كمفكر وشاعر في تنوير دروب الثقافـة وتنمية وعي الأجيال القادمة من المبدعين الشباب المحظوظين به و بأصدقائه الأدباء الكبار، وذلك عندما تسنت لنا فرص الالتقاء به كثيرا، ومجالسته في رحاب صدره الكبير، فمد معنا وصال المحبة والأبوة، يظللنا بالتألق الكامن في فكره المستنير في توثيقه أصالة ومسيرة الثقافة وتاريخها العتيد دون تحيّز أو مداراة. وإلى ذاك الألق الساكن بين جنبيه، كشاعر يرصد بعينيه مشاهد الحياة، وباحث يوّثق ما تكاسل عنه الزمن من سيرة الأدباء الحاضرين والغائبين، لاسيما من لم ينصفهم الإعلام ولم يقم بواجب الوفاء لهم.

ليأت بحثه الجديد المتمثل في تحقيق ديوان الشاعر المرحوم عبدالله الجوعان، وإعداده للنشر، دليلا على فكره الشاغل و حرصه الدائم في توثيق الأدب الكويتي سبقه ويوازيه أدباء كبار.

جاء البحث الجديد إضاءات جديدة على أدب الجوعان و تحليل وتسجيل ملاحظات بعد تقصي وجمع لقصائد الأديب الراحل، لتمثل جادة طريق للقادم من الباحثين والمهتمين بالأدب الكويتي.

أختم بما خطته إبنة الأديب الأستاذة المحامية كوثر الجوعان في رسالة شكرها للأديب خليفة الوقيان:

” لقد أسعدتم والدي وهو في قبره، شكرا “

فهد توفيق الهندال

التصنيفات
مدونتي

الضاحكون لا يموتون

السمير غانم. يعني اسم سمير في اللغة العربية الشخص المحدّث للناس في أوقات المساء، ويكون حديثه غنيا بالسمر والمُلح والنوادر والحكايات. وغالبا ما تكون شخصية مائلة للفكاهة والطرافة. هكذا كان سمير غانم، منذ عرفناه ونحن صغار لا يقدم سوى الابتسامة والضحكة غير المتكلفة. أذكر كم كنا ننتظر عرض مسرحية المتزوجون في ظهيرة كل عيد دون ملل، فكنا نعتقد بوجود نكتة أو مزحة جديدة، كذلك مع فوازير فطوطة وسمورة، وكابتن جودة وأهلا يا دكتور و موسيقى في الحي الشرقي ومعظم أعماله ومنولوجاته التي أقامت الدنيا ولم تقعدها من الضحك.
مع وفاة كل فنان ضاحك أشعر بأن الدنيا بدأت تنغلق بالحزن والتجهم والعنف وكأن الفرح بات كائنا محكوما بالرحيل أو الصمت.
سبق رحيل سمير غانم، رحيلٌ محزنٌ لأساطير الضحك في حياتنا، روبن ويليامز وعبدالحسين عبدالرضا، وهم الأقرب لنفسي.

أخيرا، كان يستحق أن يكون اسمه فعلا السمير غانم مستحقا بأل التعريف كعلم مفرد يُضاف له اسم العائلة، فتُعرف به.
دائما أقول، الضاحكون لا يموتون، لأن ضحكتهم تعيش معنا ولا تموت أبدا.