التصنيفات
مدونتي

رؤية عُمان 2040 : الهويةالثقافية والإبداعية

كانت أيام جميلة التي قضيتها في عُمان، وهو البلد الذي يحظى بزياراتي المتعددة خلال العام الواحد، لما له ولأهله من مكانة كبيرة بدأت منذ أول زيارة عام 2014 كناشر، فتحولت إلى علاقة حميمة وجدانية مع الأصدقاء وأهلها، لتتوج في حصولي على درجة الدكتوراه من أهم جامعاتها، جامعة السلطان قابوس العريقة والمتقدمة أكاديميا عبر تصنيفات عربية وعالمية. فكانت زيارتي قبل أسبوع استكمالا لهذه المحبة، وستستمر باذن الله. وكنت قد قدمت ورشة ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب تحت عنوان ( تجويد كتابة القصة القصيرة) بعد دعوة كريمة من اللجنة الثقافية للمعرض، في حفاوة وضيافة وتنسيق واهتمام، برهن على القدرة العالية والنشطة والاحترافية  للقائمين على الأنشطة والمعرض، بما يمكنهم لاقامة فعاليات ثقافية عالمية على مدار العام . وهذا يؤكد على تحوّل الفعل الثقافي في عمان باعتماد الثقافة موردا رئيسا في تنمية الإنسان في عمان. إذ تؤكد رؤية عمان 2040 على بناء مجتمعٍ يُفخر بهويته وثقافته ويعمل على صون تراثه وتعزيزه. فمن أهداف الرؤية دعم المعرفة والإبداع في المجتمع وتعزيز الاستثمار المستدام في التراث والثقافة والفنون كركائز للتنمية الاقتصادية الوطنية. ترتبط هذه الأهداف بتعميق الوعي بالهوية الوطنية والإرث الحضاري في المناهج ووسائل الإعلام؛ إذ تهدف إلى تكوين مجتمع مبدع قادر على استثمار معارفه وثقافته في دفع التنمية.

ففي قطاع الفنون والآداب، تشمل توجهات الرؤية دعم القطاع الثقافي والإبداعي عبر رعاية الفنون والإعلام والثقافة. ففي إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة، أُطلق مشروع «المختبرات الثقافية العمانية» – الذي أُطلق بالأمس- والذي يهدف إلى تقديم موروث السلطنة الزاخر بالطاقات الوطنية عبر معارض وبحوث ومنتديات، ويسعى إلى تعزيز الهوية العمانية عالمياً من خلال التعاون بين المؤسسات الحكومية والخاصة. كما تتضمن المبادرات إنشاء مرافق فنية جديدة؛ فمثلاً تم الإعلان عن مشاريع مثل «مدينة الأفلام» لدعم صناعة السينما المحلية و«منتزه إبداع» لعرض المنتجات الثقافية العمانية. وتستهدف هذه المشاريع جذب المواهب الشابة والمستثمرين في مجالات الأدب والفنون عبر توفير بنية تحتية متخصصة ومعارض دورية وفرص للشراكة الدولية، بما يعزز الشراكة الثقافية بين الجميع، وانحسار مساحة الجزر الثقافية.

وفي قطاع التراث، تضع الرؤية الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي نصب عينيها من خلال تبني سياسات صون وترميم للمعالم التاريخية. فقد ركزت على ضرورة الحفاظ على الهوية العمانية من خلال ترميم القلاع والحصون وتحويلها إلى مواقع ثقافية وسياحية جذابة. وضمن خطة التنمية السياحية والثقافية، تم طرح الفرص الاستثمارية لإحياء هذه المواقع وتحويلها إلى مراكز ثقافية تخدم المجتمع والزوار، انسجاماً مع التوجهات الوطنية لصون التراث العماني المتعدد على امتداد رقعة السلطنة وتعزيزه دولياً. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الحكومة إنشاء متاحف ومدارس للفنون والحرف التقليدية، وإقامة مهرجانات أدبية وفنية لتعزيز التعبير الثقافي وإثراء المشهد الثقافي العماني.

وفيما تعلق بالصناعات الإبداعية، اعتُبرت هذه الصناعات من القطاعات المحورية في تنويع الاقتصاد. إذ أطلقت الحكومة برنامجًا وطنيًّا لتطوير هذه الصناعات (تحت مظلة برنامج «نَزْدَهِر» للاستثمار والتصدير) شمل وضع خارطة طريق واستراتيجيات لتعزيز هذا القطاع. فقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة عن استشارة عالمية لصياغة استراتيجية قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية وضوابطه الاستثمارية، بهدف جذب الاستثمارات إلى هذا القطاع الجديد. كما نظّمت ورش عمل وطنية بالشراكة بين وزارة الثقافة وهيئات الاستثمار لتحديد الفرص والقدرات الرئيسية، مما أثمر عن إطلاق مشاريع كبرى (مثلاً: «مدينة أفلام» و«إبداع بارك» وغيرها)، وفرص استثمارية جديدة في مختلف أنحاء السلطنة. وتعتمد هذه البرامج على تعزيز شراكات مثمرة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الثقافية لتحفيز الإبداع وتشغيل الطاقات الوطنية في الإنتاج الفني والأدبي.

وبتكامل هذه الخطوات، تبرز رؤية 2040 عُمان كداعمٍ قوي للثقافة والإبداع، من خلال تحقيق مجموعة من المبادرات القطاعية التي تحفز الفنون والآداب، تحمي التراث، وتطلق العنان للصناعات الإبداعية كمحرك مهم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا تنحصر بفعاليات عام معين أو دورة أو خطة سنوية، وإنما هي مسيرة مكملة، ستحقق ريادتها في المنطقة على مختلف القطاعات الثقافية، العلمية و الرياضة.

د. فهد توفيق الهندال

المصادر:

بيانات رسمية عن رؤية عُمان 2040، وبيانات وزارة الثقافة ووسائل الإعلام العمانية حول مبادرات القطاع الثقافي.

أضف تعليق