في محاولة لتفكيك مفهوم “البطل الأمريكي” كما يظهر في شخصيات مثل سوبرمان، كابتن أمريكا، وسبايدرمان، فإن ذلك يرتبط بشكل وثيق بمفهوم “رحلة البطل” أو Monomyth الذي وصفه جوزيف كامبل في كتابه “البطل بألف وجه” (The Hero with a Thousand Faces). رأى كامبل أن هناك نمطًا عالميًا في قصص الأبطال عبر الثقافات المختلفة، حيث يتبع البطل مراحل محددة تشمل الخروج من العالم العادي، مواجهة العقبات، والحصول على مكافآت معينة بعد التغلب على الشر.
1. مرحلة الدعوة إلى المغامرة:
في قصص الأبطال الأمريكيين مثل سوبرمان وسبايدرمان، تكون الدعوة إلى المغامرة واضحة جدًا. يُرسل سوبرمان إلى الأرض كرضيع من كوكب كريبتون، بينما يكتسب سبايدرمان قواه عن طريق حادث عرضي. هذه الدعوة للمغامرة تشبه المرحلة الأولى من رحلة البطل عند كامبل، حيث يُستدعى البطل لمواجهة تحديات خارج نطاق حياته العادية.
2. التحول والتطور الشخصي:
تحتوي هذه الأفلام على تحول داخلي للبطل الذي يبدأ كشخص عادي ثم يتطور ليصبح رمزًا للقوة والشجاعة. في حالة كابتن أمريكا، ستيف روجرز كان جنديًا ضعيفًا قبل أن يتحول بفضل مصل القوة. هنا نرى تشابهًا مع المرحلة الثانية من رحلة البطل، حيث يخوض البطل اختباراته ويتحول من الداخل من خلال مواجهة العقبات، مثلما يحدث في قصص هرقل أو جلجامش.
3. العودة والمكافأة:
يشير كامبل إلى أن عودة البطل إلى المجتمع بعد استكمال رحلته ليشارك الآخرين ما تعلمه. بالنسبة لسوبرمان، كابتن أمريكا، وسبايدرمان، نجد أن دورهم كأبطال خارقين يتطلب العودة باستمرار إلى حماية المجتمع بعد مواجهة الشر. كما أن لديهم مسؤولية أكبر نتيجة لقواهم، مما يشير إلى عنصر “العودة بالمكافأة” عند كامبل. سوبرمان يعود دائمًا لحماية الأرض، وسبايدرمان يدرك أن قوته تأتي بمسؤولية عظيمة، تمامًا كما يصف كامبل في رحلات الأبطال الأسطوريين.
4. البطل كرمز اجتماعي وثقافي:
يمثل الأبطال الأمريكيون في جوهرهم القيم الثقافية التي يروج لها المجتمع الأمريكي مثل الحرية، المسؤولية، والعدالة، ما يعكس،تصوّر كامبل عن البطل في أي ثقافة، بأن يعكس أحلام وطموحات المجتمع الذي ينتمي إليه. وبالتالي، فإن الشخصيات مثل كابتن أمريكا وسوبرمان ليست مجرد شخصيات خيالية، بل رموز للهوية والقيم الأمريكية، بما قد ينطبق عليهم وصف كامبل لشخصية البطل بأنهم “يعملون كمرشدين روحيين للمجتمعات”!
وتعكس الأفلام الأمريكية شخصيات الأبطال الخارقين (سوبرمان، كابتن أمريكا، وسبايدرمان) مفهوم “البطل الأمريكي المنقذ” في الثقافة الشعبية، حيث يجسد كل منهم قيمًا مختلفة تدور حول الشجاعة، العدالة، وحماية الضعفاء. على الرغم من اشتراكهم في هدف مشترك يتمثل في محاربة الأشرار وإنقاذ البشرية، إلا أن هذه الشخصيات تُظهر تنوعًا في الأساليب، الخلفيات، والرسائل التي يحملها كل منهم. فيما يلي مقارنة وصفية بين هذه الشخصيات الثلاثة:
سوبرمان (Superman):
سوبرمان، الذي ابتكره جيري سيغل وجو شوستر عام 1938، هو النموذج الكلاسيكي للبطل الخارق. ينحدر من كوكب كريبتون، مما يجعله أجنبيًا على الأرض ولكنه أيضًا يمثل رمزًا للاندماج في المجتمع الأمريكي. يجسّد سوبرمان الأمل والقوة الفائقة التي تأتي من قوة خارقة للطبيعة، وهو عادة ما يكون متفوقًا على أعدائه بقوته الجسدية الهائلة، وقدرته على الطيران، والبصر الليزري. في تمثّل شخصيته الظاهرية كشخص عادي، كلارك كنت، التواضع والعلاقات الإنسانية الطبيعية، بينما شخصيته البطولية تجسد الحلم الأمريكي القائم على حماية الضعفاء ومكافحة الظلم أينما وجد. ليُظهر سوبرمان البطل المنقذ المثالي الذي يتجاوز الحدود البشرية.
كابتن أمريكا (Captain America):
ظهر كابتن أمريكا في عام 1941 كنتاج مباشر للحرب العالمية الثانية، وهو من إبداع جو سايمون وجاك كيربي. على عكس سوبرمان الذي يأتي من خارج الأرض، فإن كابتن أمريكا يمثل البطل الوطني الأمريكي، حيث كان ستيف روجرز جنديًا ضعيفًا تحوّل إلى بطل خارق بعد خضوعه لتجربة طبية من قبل الحكومة الأمريكية. يرمز كابتن أمريكا إلى الوطنية والالتزام بالقيم الأمريكية، ويمتاز بالانضباط العسكري والشجاعة التي لا تتزعزع في مواجهة الأعداء، سواء كانوا أشرارًا خارجيين أو حتى تهديدات داخلية تمس الديمقراطية. قوته الخارقة أقل من سوبرمان، ولكن إرادته والتزامه الأخلاقي هما ما يميزه كقائد وشخصية ملهمة في الحروب والمعارك السياسية لأمريكا ضد خصومها.
سبايدرمان (Spider-Man):
يمثّل سبايدرمان، الذي ابتكره ستان لي وستيف ديتكو عام 1962 الجانب الأكثر إنسانية من الأبطال الخارقين. بيتر باركر مراهق عادي، تعرض للدغة عنكبوت مشع منحه قدرات خارقة مثل القوة الفائقة، سرعة رد الفعل، وإمكانية التسلق على الجدران. ومع ذلك، فإن ما يميز سبايدرمان هو صراعه الداخلي، لكونه يكافح لتحقيق التوازن بين حياته كبطل خارق ومراهق يواجه تحديات الحياة اليومية مثل الدراسة والعمل ورعاية عمته. وسبايدرمان يمثل البطل الشعبي القريب من الناس، والذي يواجه أعداء في الحي والشوارع، بدلاً من تهديدات عالمية ضخمة. شعاره الشهير “مع القوة العظيمة تأتي مسؤولية عظيمة” يجسد الأخلاق الأساسية التي تحكم أفعاله، ويجعل من قصصه تأملات في المسؤولية الفردية والاجتماعية للمواطن الأمريكي.
الرابط الأساسي بين أفلام سوبرمان و كابتن أمريكا و سبايدرمان هو تجسيدها لفكرة “البطل الأمريكي المنقذ”، والذي يظهر كشخصية خارقة تحارب الأشرار أينما كانوا وتحمي المجتمع الأمريكي من التهديدات، وإن كانت غير حقيقية! على الرغم من تنوع خلفياتهم، إلا أنهم يتشاركون في مواضيع مركزية، مثل المسؤولية الأخلاقية، التضحية من أجل الآخرين، والدفاع عن العدالة في تصوّر الذهنية الأمريكية فقط!
1. الدفاع عن “القيم الأمريكية”: كل هذه الشخصيات ترمز إلى قيم مثل العدالة، الحرية، والدفاع عن المظلومين. على سبيل المثال، كابتن أمريكا يمثل القيم الوطنية والديمقراطية الأمريكية بشكل مباشر، في حين أن سوبرمان، رغم كونه فضائيًا، يجسد الحلم الأمريكي من خلال تبنيه للإنسانية والدفاع عن الخير.
2. الصراع بين الحياة الشخصية والمهنية: على الرغم من أن سوبرمان يتعامل مع قوته الهائلة، إلا أنه في حياته ككلارك كنت يحاول أن يعيش حياة طبيعية. بالمثل، سبايدرمان يواجه التحديات اليومية كمراهق عادي، بينما يتحمل مسؤولية إنقاذ الآخرين. هذا الصراع يظهر في جميع الأفلام كجزء أساسي من بناء الشخصيات.
3. المسؤولية: سواء كان ذلك في شعار سبايدرمان “مع القوة العظيمة تأتي مسؤولية عظيمة”، أو في تضحية كابتن أمريكا من أجل الآخرين، أو في الالتزام الأخلاقي لسوبرمان، فإن موضوع المسؤولية يُشكل جوهر كل شخصية. جميعهم يتعاملون مع قوة عظيمة ويواجهون القرار حول كيفية استخدامها بشكل صحيح.
4. محاربة الشر: كل شخصية تواجه أعداء يشكلون تهديدات للمجتمع أو العالم. تختلف هذه التهديدات من أعداء فضائيين في سوبرمان، إلى تهديدات محلية ووطنية في كابتن أمريكا وسبايدرمان، لكن الرابط بينهم هو هدفهم في حماية الناس من الأشرار.
في النهاية، الرابط الرئيسي بين هذه الشخصيات هو الرسالة البطولية التي ترتكز على التضحية الشخصية لحماية المجتمع، مع اختلافات في الطريقة التي يتم بها تجسيد هذه الأفكار وفقًا لخلفيات وأهداف كل بطل، وسر البطولة المختلف لكل واحد على حده.
يمكن مقارنة أفلام الأبطال الخارقين الأمريكية مثل سوبرمان وكابتن أمريكا وسبايدرمان مع قصص أبطال عالمية أخرى من الثقافات المختلفة التي تجسد مفهوم “البطل المنقذ”، حيث نجد عناصر مشتركة في مواجهة الشر، الدفاع عن المجتمع، والتضحية بالنفس. فيما يلي مقارنة بين هذه الأفلام وبعض القصص العالمية:
1. سوبرمان مقارنة بـ جلجامش (ملحمة جلجامش – بلاد ما بين النهرين):
سوبرمان، القادم من كوكب آخر، يتفوق بقدراته الخارقة ويُعتبر رمزًا للأمل والعدالة. على نحو مشابه، جلجامش في الملحمة السومرية هو ملك نصف إله يتمتع بقوة عظيمة، وينطلق في رحلة بحث عن الخلود بعد فقدان صديقه أنكيدو. كلا البطلين يمثلان فكرة القوة التي تسعى إلى استخدام قدراتها من أجل مصلحة البشرية، رغم اختلاف الخلفيات والقصص. جلجامش يواجه مخلوقات خارقة وقوى طبيعية، بينما سوبرمان يقاتل قوى الشر التي تهدد الأرض.
2. كابتن أمريكا مقارنة بـ الملك آرثر (الأساطير البريطانية):
كابتن أمريكا يمثل البطل الوطني الذي يتميز بالولاء للوطن والدفاع عن العدالة، وهو ما يشابه شخصية الملك آرثر في الأساطير البريطانية. كلا الشخصيتين يمثلان رمزًا للقيم والمبادئ الأخلاقية، حيث يجسد آرثر الملك العادل الذي يسعى إلى حكم مملكته بنزاهة وحماية الضعفاء بمساعدة فرسان الطاولة المستديرة. على الرغم من أن كابتن أمريكا يأتي من خلفية عسكرية حديثة، إلا أن القيم المشتركة بينهما هي الولاء، التضحية من أجل الآخرين، والنضال من أجل الحق.
3. سبايدرمان مقارنة بـ رابطة الصعاليك (القصص الشعبية العربية):
سبايدرمان هو بطل يواجه تحديات الحياة اليومية كمراهق عادي، بينما يقوم أيضًا بحماية الناس ومحاربة الأشرار في مدينته. هذه الفكرة مشابهة لرابطة الصعاليك في القصص الشعبية العربية، حيث كان الصعاليك أناسًا عاديين منبوذين من المجتمع، ولكنهم اتخذوا دورًا بطوليًا في الدفاع عن الضعفاء والعدالة. ولعل الأسباب خلف الأعمال البطولية مختلفة: سبايدرمان يتصرف بدافع المسؤولية الشخصية، بينما الصعاليك يتحركون نتيجة الظلم الاجتماعي، ولكن كلا القصتين تعرض بطلًا يعاني من صراعات داخلية ولكنه لا يتخلى عن مساعدة الآخرين.
4. سوبرمان مقارنة بـ هرقل (الميثولوجيا اليونانية):
هرقل، مثل سوبرمان، هو نصف إله يمتلك قوة خارقة ويكلف بمهمات عظيمة مثل “الأعمال الاثني عشر” في الأساطير اليونانية. هرقل وسوبرمان يواجهان أعداء أقوياء ويستخدمان قوتهما لإنقاذ الآخرين والتصدي للشر. هرقل يجسد الشجاعة والتحمل، وكذلك سوبرمان الذي يسعى إلى تحقيق العدالة على الأرض على الرغم من كونه من عالم آخر.
بالرغم من اختلاف الخلفيات الثقافية، تتشارك هذه القصص في تجسيد البطل الذي يحارب الشر ويضحي من أجل الآخرين، سواء كان البطل يمثل قوة إلهية كما في الأساطير القديمة أو يكون إنسانًا عاديًا يكتسب القوة بفعل ظروف خارقة. الأفلام الأمريكية مثل سوبرمان وكابتن أمريكا وسبايدرمان تقدم فهما حديثا لهذا المفهوم الذي يعود إلى جذور عميقة في التاريخ الإنساني، حيث تتجسد فكرة البطل المنقذ في معظم الحضارات لتعكس القيم الأخلاقية والدروس الإنسانية المشتركة، في محاولة تبرير أفعال البطل، ولو كان الشر مفهوما مطلقا، أي فضفاضا بحسب رؤيته ومصالحه فحسب، لاسيما وأن الأبطال النموذج هنا تجمعه ألوان العلم الأمريكي ( الاحمر، الابيض، الأزرق) في احتكار محصور لشخصية البطل المفترض (أمريكيا) على مر العقود وربما العصور!
فهد توفيق الهندال



