التصنيفات
مدونتي

تذويت النص الروائي أوتذويبه!

في كتابها النقدي المميز ( ذات المؤلف من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي )الصادر عن دار الأمان المغربية عام 2013 ، تذكر الناقدة الدكتورة زهور كرام عن التجريب الروائي بأنه ” من أهم تجليات انفتاح النص الروائي على التحول . فقد أبانت الرواية التجريبية عن قدرة النص على تغيير نظام ترتيب عناصره ، وعلى التأثير في ميثاق القراءة ” . لهذا ركزت في الكتاب على التجارب الروائية التي تنزع لـ” تذويت ” النص الروائي ، وبروز ذات المؤلف باعتباره محورا نصيا ، ينبني عليه نظام الكتابة ، وفعل السرد . وهنا يجب التفريق بين الأعمال التي جاءت كسرد تخييلي عن سرد السير ذاتي، حيث يوجد اختلاف بين النوعين ، على اعتبار أن الأول تخييل لا يتطلب بالضرورة واقعية الحدث ، والثاني واقعي ينطلق من سـيرة حقيقـية ، إلا أن ذلك لا ينفي عن كونهـما نزوع نحـو أنـسـنة النـص بصـورة أكثر .

وعند تساؤلها – كرام – إن كانت التجارب الروائية الجديدة تمثل تجاوزا على أعراف السرد المألوفة ، تجيب لاحقا أن مختلف الكتاب الذين انتجوا مثل هذه النصوص هم بالأصل نقّاد ولهم كتب نقدية ، وضربت أمثلة عنهم في عدة أسماء : محمد برادة ، عبدالقادر الشاوي ، عز الدين التازي وسعيد علوش . وهي ما يجعلها تعوّل على أن يكون ذلك مساهمة في انتاج وعي معرفي حول طبيعة الكتابة السردية في المغرب ، وهو ما قد لا يستسيغه البعض هنا في المشرق !

أمام تجارب روائية حديثة ، نجد عددا منها وقد صرّح أصحابها بأنها تخييل ذاتي ، أي يصرح بعدم واقعيتها جملة ولو جاءت معظم التفاصيل واقعية ، كاقحام اسم المؤلف أوعدد من أصدقائه أو أفراد أسرته. أما المكان والزمان ، فهما غير منحصرين بكاتب دون آخر، لكونهما فضاءين متاحين للجميع في الاستناد عليهما ، كما هي أي قضية عامة إنسانية لا يمكن أن تكون ضمن ممتلكات كاتب دون آخر .

ومع ذلك، يوجد لغط كبير حول استيعاب هذا المفهوم – التخييل الذاتي – الذي مهما حاولنا الصاقه بالحداثة أو ما بعدها ، فإننا نقوم بخطأ أدبي / تاريخي لكون هذا الفن هو بالأساس حاضر في عدد من الأعمال السابقة . فنظرة لكتاب الأيام لطه حسين الذي اكتفى بالإشارة إلى نفسه على مدى بعض فصول العمل ( الصبي ) ، حتى في مقدمته التي نشرت للمرة الأولى للطبعة الخاصة للمكفوفين التي أشار فيها إلى غايته من وضع هذا الكتاب ، نجد نفسا روائيا حاضرا في السرد والوصف . كذلك الأعمال الروائية لنجيب محفوظ ، الطيب صالح ، توفيق الحكيم ، سهيل ادريس ، يحي حقي ، حنا مينة وغيرهم. وهذا ما وصل مداه إلى الكويت، وهنا من صرّح بأنها تخييل ذاتي وحضر بذاته ومن في حياته، وهناك من ترك للمتلقي حرية القراءة والتحليل، فاستبدلوا أسماءهم بأخرى مستعارة في أعمالهم مع ثبات المكان والزمان الواقعيين في الكون الروائي، حيث التكنيك الفني المعقّد.

ليطرح السؤال ذاته: ألا يعتبر ذلك سردا تخييلا أيضا ، على اعتبار أن العمل الروائي تخييلي بالأصل ؟

من وجهة نظر المقال، إن محاولة التجريب في الكتابة الروائية وفق مفاهيم نقدية حديثة، ومنها التخييل الذاتي، هي مغامرة محفوفة بالمخاطر، وربما تنحرف بالنص نحو هاوية الكتابة غير الناضجة، فتزيد العمل خفة على السطح دون التعمق في فنية العمل من ناحية بناء شخصياته ونموها، رسم المكان ورصد الزمن السردين، ولعل عدم استثمار دور السارد عليما كان أو مشاركا، ووقوع الكاتب في فخ وجهات النظر وما تحملها من أيديولوجيا محتملة، قد تخرج النص من شكله الأدبي وماهيّته كقول غير مصرّح به إلى ما هو أشبه بالخطاب خارج النص. وللأسف يغيب على كثير من النقّاد خصوصية النص الأدبي لا سيما الروائي فيقع في فخ المباشرة وماهو مصرّح ولا يستوعب وظيفة الأدب الجمالية ووظيفته الأيديولوجية. فكما يقول باختين: “المتكلم في الرواية هو دائما وبدرجات متفاوتة مُنتج أيدولوجيا وكلماته هي عينة أيديولوجية”!

وهذا ما قد يفقد العمل الروائي أو السردي عموما، أدبيته، فيذوب في خطاب آخر يرفع القبعة عن رأس الكاتب بشكل نهائي!

فهد توفيق الهندال

أضف تعليق