لم يختلف كثيرا شكل ومضمون الخطاب الانتخابي لعدد من المرشحين، عن خطابات الانتخابات السابقة. فلكل خطاب جمهوره المناسب، والمعتاد عليه، ولا يرضى بغير هذا الخطاب لدى مرشحه المطلوب، وهو ما يعيه المرشحون في تكثيف عبارات الخطاب المدغدغ لجمهورهم ومن يود جذبه إلى مخيمه الانتخابي.
في تعريف الخطاب نقديا عبر تعريف العالم اللُغوي الفرنسي إميل بنفنيست :”هو كل تلفّظ يفترض متحدثا ومستمعا، تكون للطرف الأول نية التأثير في الطرف الثاني بشكل من الأشكال، والخطاب قوامه جملة الخطابات الشفوية المتنوعة، ذات المستويات العديدة، وجملة الكتابات التي تنقل خطابات شفوية، أو تستعير طبيعتها، والخطاب يوظّف كل الأزمنة، وكل صيغ الضمائر”.
ويوجد حاليا خمسة أنواع من الخطابات الانتخابية المرصودة هنا.
١- خطاب الماضي الجميل، حيث نجد ذات الكلام المعتمد على الذاكرة الجميلة للزمن الماضي والريادة السابقة، في حضور جانب كبير من مفردات النوستولوجيا والأحلام الوردية بعيدا عن لغة الواقع التي تتطلب وقفة مع النفس بالنقد والتقييم وتقديم الرؤى المعالجة والمشاريع المقترحة.
٢- خطاب المؤامرة، فيحتوي هذا الخطاب على تلك العبارات التي تجاوزتها الأمم المُمارسة للديمقراطية العصرية، فماتزال ذات الجمل المتضمنة لفكرة التآمر والاختطاف لارادة الأمة، بعيدا عن أهمية التآزر باختلاف وجهات النظر وتعددها. ليستمر البحث في أرشيف الخصوم السابق وليس في محركات المستقبل الذي يفترض قبولا للعملية الديمقراطية.
٣- خطاب الرومانسية، وهو ما لفت انتباهي أكثر ومن خلال وجوه الحاضرين لهذه الخطاب، أننا أمام تلك الخطابات التي تلامس العواطف، إما باستعراض المقترحات التي بقيت في أدراج الزمن دون تحرك أو المشاريع التي لا تنجز فرادى بل جماعة، وهنا سلب لفكرة العمل الجماعي. فينسب كل طرف نجاح كل قانون له شخصيا دون بقية أفراد المؤسسة.
٤- خطاب الحاضر الساكن، نجد روح الخطاب الكهل المتكرر: ” الله لا يغيّر علينا ” و”الهون أبرك ما يكون” أو الخطابات التي لا تخاطب إلا الجيل السابق، المُعتاش على زمن مضى مؤمنا بأن الحكومة “أبخص”. مع زيادة جرعة الاقتباسات الدينية التي تناسب مقام هذا الخطاب.
٥-خطابات الاقصاء وهو لا يقل شراسة بالوعيد والمحاسبة برفع منصات المقصلة لكل الخصوم السياسيين، مع تحديد مفردات معينة تدخل في محاولة العزل أو الاقصاء لكل مختلف باختراع فروقات مذهبية، فئوية، مناطقية، قبلية، وكل ما يمكن استثماره في تقسيم الخصوم !
مع جملة ما استعرضنا من أنواع الخطابات المهيمنة على الانتخابات وقد تتقاطع مع بعضها عند بعض المرشحين، إلا أننا نتساءل عن تلك الخطابات السياسية الغائبة التي تحمل تصورا وحلولا ورؤى ومقترحات لمعالجة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي، ولغة العصر في مخاطبة أكبر شريحة من المتلقّين المستهدفين اليوم وهم الشباب، حيث غابت قضاياهم وطموحاتهم ومشاريعهم وهم أكثر عرضة للخسارة اليوم بسبب سيادة خطاب الماضي على حساب خطاب الحاضر والمستقبل، برغم أن ما يميّز كثير من عناوين الخطابات الانتخابية، والحملات والندوات، التي اتفقت جميعها على صيغة فعل أمر المستقبل!
فهد توفيق الهندال



