التصنيفات
مدونتي

الرائحة الأخيرة للمكان

يبدو أن الصديق القاص الخطّاب المزروعي تنبأ في القصة التي حملت العنوان أعلاه، ما يمكن أن تؤول إليه ظروف الواقع المرة، وتغيّرات الحياة الثقيلة على حياتنا المُثقلة أساسا بكل ارهاصات الماضي وتقلبات وقلق المستقبل.
في بيان نشر على حساب مكتبة لوتس العُمانية- والخطاب المزروعي أحد ملاكها- أعلن عن تصفية وإغلاق المكتبة وتوقف حلم الزهرة التي أُريد منها أن تساهم في حراك النشاط الثقافي ودعم مكانة القارئ، ولعل التوقف مرده إلى الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، وما ترتب عليها من توقف المعارض وارتفاع كلفة الشحن وتوقف الكثير من النشاطات التجارية مع ضعف القدرة الشرائية لكثير من المنتجات ومنها الكتب، دون أن يُسعف الوقت في تعافي الوضع بعد زوال الجائحة في أن تنشل المكتبة ذاتها من جائحة الخسائر والصعوبات.
عندما اقرأ بين فترة وأخرى خبر تصفية واغلاق مكتبة أو توقف عمل دار نشر بسبب الآثار المترتبة على كورونا واللامبالاة في دعم أصحابها، أوقن بأن الثقافة تسير نحو الاحتضار في زمن انهيار بعض المؤسسات الأهلية الراعية للثقافة وقد كانت يوما ما الرديف المجتمعي للمؤسسات الثقافية الرسمية، وهو ما يمكن أن يظهر أثره الخطير في القادم من السنوات.
لذلك، على مؤسسات المجتمع المدني، ومنصات الثقافة أن تنتبه لما يحدث حولها، وأن تلتف حول بعضها البعض، وتسند ذاتها مع غيرها سواء المؤتلف أو المختلف مادامت الثقافة هاجسها ومنهجها، لتخرج من عزلتها وانغلاقها في جزر ثقافية لا توجد بينها جسور.
والدعم المنشود لا يتمثل في الجانب المالي، وإنما في اتاحة واشاعة الفرص وتبادل المنفعة وتبني المساحة المشتركة بعيدا عن المقاطعة والاقصاء.
لم يكن بيان مكتبة لوتس الأخير سوى صرخة ضمن موجة من الصرخات التي اطلقها قبلها وربما سيطلقها بعدهم مشاريع ثقافية فقدت الأمل في تحسن بيئة العمل، وكما جاء في البيان من كلمة شكر أخيرة، والتي شملت كل زار المكتبة وشارك في لحظاتها السعيدة وكل من حاول ولم يتمكن ولمن خذل!
لأستعير هنا ما جاء في سرد تلك القصة التي حمل مقالنا هذا عنوانها، ما قاله السارد:
” هنا أنا الآن واتتني اللحظة لكي أكتب لكم، ليس بداعي الفرجة، ولا أريد منكم إشفاقا، فلكم أن توفروا ذلك على أرواحكم البائسة، بائسة لأن روحي جزء من أرواحكم وذاكرتكم المريضة! “.

فهد توفيق الهندال

أضف تعليق