التصنيفات
مدونتي

صناعة التفاهة -١

في مستهل الموسم الحادي عشر للملتقى الثقافي المنعقد في بيت الأديب طالب الرفاعي، أقيمت جلسة مناقشة كتاب (نظام التفاهة) للمفكر الفرنسي آلان دونو، بحضور مترجمة الكتاب أستاذة القانون في جامعة الكويت الدكتورة مشاعل الهاجري. بدأت الجلسة بورقة للدكتور حامد الحمود كمراجعة سريعة للكتاب، وضع من خلالها جملة ملاحظات على الكاتب والكتاب، ثم فتح باب النقاش لحضور الملتقى. وفي خضم هذه الجلسة المهمة، كانت جملة من الأفكار تدور في ذهني سبق لي أن أثرتها في حوارات عدة، حول نظام التفاهة كواقع جديد مفروض على المجتمعات البشرية في زمن هو أقرب لحرب نووية محتملة نتيجة صراع الأقطاب في العالم، ولعل تسيّد التفاهة بدأ مع ارهاصات ما بعد الحداثة، حيث تمت إسالة الكثير من القيم والمنظومات والمصطلحات الحداثية في بوتقة لشكل العصرية الجديدة الداعية في مجمل أطروحاتها للقطيعة مع التاريخ الفكري للإنسان و النظم الأخلاقية المؤسسة للمجتمع الإنساني و الدخول في صراعات الهويات الصغرى. ما يحدث اليوم من التسليع الاستهلاكي للزمن، هو بداية طريق نحو انهيار شكل العالم والعيش الإنساني كما يذكر زيجمونت باومان في (الحداثة السائلة) ضمن سلسلة السيولة.
إن ما نشهده في عالمنا اليوم هو صناعة الاستهلاك التي تعتمد على صناعة التفاهة في تذويب كل منصات التفكير الناقد و تقليص مساحة تداول الخطاب العقلاني في العلاقات القائمة على الفعل البشري، فباتت المادية هاجس وغاية الغالبية من الناس للحياة في ظل الشكليات والمظاهر على سطح وجودهم، وهو ما ساهم في تسطيح الكثير من الوسائل، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تقود الرأي والذائقة العاميين إلى المزيد من التشتت الفكري والنفسي والاجتماعي، على المستوى الفردي والجماعي. لذلك، بدا اليوم الحديث عن التفاهة بأنها شكل من أشكال النظام الجديد، وخطاب بديل عن الثقافة المُنتجة.

فهد توفيق الهندال

أضف تعليق