التصنيفات
مدونتي

الرواية الفائزة والمفاجِئة

انتهى يوم الاحد الماضي ماراثون 2022 للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) باعلان فوز رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” للروائي الليبي محمد النعّاس، وجاء في تقرير لجنة التحكيم لدورة هذا العام 2022 والذي ألقاه رئيس اللجنة الروائي شكري المبخوت موضحا سبب اختيار الرواية ، نختار منها ما قاله : “استقر رأي اللجنة بالإجماع على تتويج رواية كُتبت بإيقاع سردي سلس في ظاهر النص، هادر متوتر في باطنه، صيغت بلغة عربية حديثة يسيره المأخذ، لكنها تخفي جهدًا في البحث عن أساليب في القول، مناسبة للعالم التخيلي الذي بناه صاحب النص”. والتقرير هنا يشير لأهمية البناء السردي والبحث الروائي الدقيق حول الموضوع بما يفيد أصالة النص وعدم استنساخ فكرته.

ثم يتناول التقرير براعة الكاتب فنيا في رسم شخصيته الأساسية بما ذكره المبخوت:”تمكن صاحب الرواية من تتبع مسار الشخصية وهي تتلعثم، وتستكشف هويتها الحائرة المخالفة للتصورات الاجتماعية السائدة في قرية محافظة، لا تشجع على الحلم”.

كذلك يرسم التقرير صلة الرواية بالواقع والمكان : “وما هذه القري إلا صورة من عالم عربي تهيمن عليه إيديلوجية موروثة مغلقة”. وعن أهمية حضور خطاب ورؤية الكاتب شدد التقرير على فكرة الفردانية في مقارعة العالم بعيدا عن الفكر الجمعي : “الرواية استعادت تجربة فردية في درب من الاعترافات التي نظم السرد المتقن المشوق فوضى تفاصيلها، ليقدم نقدًا عميقًا للتصورات السائدة عن الرجولة والأنوثة، وتقسيم العمل بين الرجل والمرأة، وتأثيرهما النفسي والاجتماعي، تقع الرواية في صلب التساؤلات الثقافية الكونية اليوم حول قضايا الجندر، لكنها منغرسة في آن واحد في بيئتها المحلية والعربية، بعيدًا عن الإسقاط المسف والتناول الإيدولوجي المسيئ لنسبية الرواية وحواريتها”.

إذن لخّص التقرير معيار اختيار رواية النعّاس لموضوعها الآني حول الجندرة والهويات المضطربة، وهي حديث العالم اليوم. ولعل هناك سببا آخر لم يذكر في التقرير، وهو أن العمل هو الثاني روائيا لمحمد النعّاس وهو ما أشار إليه المبخوت في لقاء تلفزيوني بأن رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) هي شهادة ميلاد روائي كبير وهو محمد النعّاس ، وهذا يدل على حدس اللجنة وتوقعها، فإلى جانب المبخوت وهو الروائي والناقد الفذ، والقارئ المتمرس نجد أعضاء اللجنة لا يقلون عنه خبرة وتمرسا في الكتابة والنقد والقراءة كالشاعرة والصحفية سعدية مفرح والروائية والباحثة إيمان حميدان وأستاذة الأدب العربي بجامعة صوفيا ببلغاريا بيان ريحانوفا، والشاعر والمترجم عاشور الطويبي. ويسحب لهم عملهم الصامت بعيدا عن ضغوط الاعلام وتوقعات القراء.

ثمة ملاحظة أخيرة، أن الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة لم يكن معظمها متوفرا في المكتبات ولابد من طلبها مباشرة من الناشر، مع أنها وصلت للقائمة الطويلة ومن ثم القصيرة، ومنها الرواية الفائزة، ولا أعلم موطن الخلل هنا، وأتمنى أن تحرص إدارة الجائزة على أن تولي الأمر هذا اهتمامها لتكون الأعمال المرشحة في المتناول مع اعلان قائمة الروايات التي تقدمت للمسابقة دعما لها وتشجيعا معنويا لكتابها على الأقل .

فهد توفيق الهندال

One reply on “الرواية الفائزة والمفاجِئة”

أضف تعليق