التصنيفات
مدونتي

رغيف الروح

بمجرد أن تفكر أنك تحتاج إلى قدر من الراحة، لتصفي ذهنك من التزام ما، وتبديل نمط ثيابك اليومية، وتتمرد على عاداتك التي بدأت تضيق عليك آفاق تنفسك، وتخلع كل قبعات النهار المثقلة بالروتين والأرق، فتأتيك الفكرة المجردة عن كل ملابسات الواقع المعاش، حتى يبدأ خيال سويفت يداعب ذهنك، فتتمنى أن تعيش إحدى رحلاته الغوليفرية نحو عوالم مختلفة، لا تجد فيها مجتمعات أقزام أو عمالقة، وإنما تجد نفسك أيها الإنسان بعيدا/ متجردا من كل أقنعة الأيام السابقة، ولو كانت جزيرة في أقصى حدود العالم، تعيش يوميات كروزوية، قد يكون محدثك الوحيد فيها مستر ويلسون!

فالسفر انتقال من جزيرة أناك إلى جزيرة ضائعة أخرى، عابرا أعتى بحار المجهول فيك، تبحث هناك عن كنوزك التي ماتزال مخبأة، فشلت كل محاولات القراصنة للوصول إليها قبلك، بعدما عبثت بها رياح العمر، وحادت عنها أشرعة الأماني، وفشلت رمال الصحراء أن تدفنها حية، مادام نفسٌ فيك يبحث.

السفر عقيدة الأنبياء وملاذ الصالحين، فالعالم خيوط متفرقة، ملونة، لا تسمح لأحد أن يشدها حولك غير روحك، عبر مغزل التجربة، فتعاند حدتها، وتحذر نعومتها، لتتمعن في دقة التكوين المراد، حتى تنسج منها كنزة شتائية تصمد بوجه لسعات برودة المشاعر، صقيع الوحشة وجليد الأنانية.

في حياة الأديب العالمي البرتغالي خوسيه سارماغو تأملات كثيرة عن أسفاره التي امتدت إلى أكثر من أربعين بلدا حول العالم، واقتبس من بعضها عددا من الأعمال، تجد خبرة ذلك تتشكل في قوله:«إن الصور القديمة تخدعنا كثيرا فهي توهمنا بأننا أحياء فيها، وهذا غير صحيح لأن الشخص الذي ننظر إليه فيها لم يعد موجوداً ولو كان بمقدوره أن يرانا فلن يتعرف على نفسه فينا وسيقول: من هذا الذي ينظر إليّ بوجه محزون».

فكم من الصور يمكن أن تُمسح من ذاكرتنا بفضل السفر، وأن نحفظ بدلا منها صورا جديدة تحفل بالطبيعة، بسحرها الأخضر، صفائها الأزرق، لتشكل منابع روحك من جديد. فتهيئ الأرض من تحتك لنغم مختلف، وتعد الأطيار بعزف جميل، لتحكي معك الأشجار حكايات وتغني أحلى المواويل.

العمر، تذكرة سفر واحدة، بلا عودة، فانتهزها، لتطلق عنان روحك، ليعد للحياة أكثر من معنى.

فهد توفيق الهندال

أضف تعليق