لمعروف عن الروائي المصري يحيى حقي صداقته العميقة للمحقق والأديب المحب للتراث الكاتب محمود محمد شاكر، حيث امتدت الصداقة بينهما لأكثر من (53) عامًا.فقد كان لشاكر الأثر الكبير في أدبية كتابات يحيى حقي، وهو ما كشفه حقي في إحدى اللقاءات عن دور شاكر في ارتقاء لغته :” أثناء عملي بديوان وزارة الخارجية توثقت صلتي بالمحقق البحاثة الأستاذ محمود شاكر، وقرأت معه عددًا من أمهات كتب الأدب العربي القديم ودواوين شعره. ومنذ ذلك الحين وأنا شديد الاهتمام باللغة العربية وأسرارها، وفي اعتقادي أنها لغة عبقرية في قدرتها على الاختصار الشديد مع الإيحاء القوي”.من جانبه ، أشاد شاكر بقدرة حقي الأدبية وتنبهه إلى جمال العبارة العربية، واكتشافه المبكر لأسرار بلاغة العرب، وقدرته الفائقة على اختزان كل ما يعرف وتمثله فيما يكتب بأسلوبه وعباراته بغير محاكاة أو تقليد، وإنما باقتدار وفن. براعة جعلته لا يقع فيما يقع فيه غيره من النقاد والأدباء، وهو ما أكسبه شخصية متميزة ومستقلة قائمة بذاتها.هذه الروح المشتركة بين قطبين محلقين في فضاءين مختلفين ، أحدهما تراثي والآخر حداثي ، صورة فريدة تحقق اتسع المعنى الفني لأدب وعدم احتكاره على فئة دون أخرى ، ويسمح للتعددية الثقافية بين الكتاب دون تمييز بين مناطق التأثر والتأثير ، فالأدب أبعد ما يكون عن التحزب و التخندق خلف متاريس أفكار تقصي الأخرى ، ولو أن الكتاب أبناء مذاهب ومدارس مختلفة في الكتابة ، إلا أن الفن هو العقيدة الأسمى للإبداع . الكاتبة الأميركية أناييس نن ، ذكرت في احدى مذكراتها ” أنّ الفنّ هو عقيدتها الوحيدة، وأنّها لا تؤمن بالسياسة. و تؤمن بأنّ الفنّان هو الشخص الوحيد القادر على فتح “صندوق بانوراما”
لكونه يمتلك الجرأة ، وعندما يفرغ الصندوق من إحدى أكاذيبه أو أوهامه فإنّه يستطيع ابتداع صندوق آخر وحشوه بموضوعات جديدة، بوسعه أن يضع مرّة أخرى العوالم التي يبتدعها والاكتشافات التي يقوم بها”.
فهد الهندال

