التصنيفات
مقالات

تدمير السرد

untitled image

Sard_1ثمة استعمالات عدة للسرد ، تختلف من باحث لآخر ، فيرى جيرالد برنس أن السرد  هو إعادة لإنتاج  أحداث و حالات ، حقيقية أو خيالـية ، عن طريق سارد واحد ، أو عدة ساردين . سـواء كان شفهيا  أو كتابة .  أو إشارة أو صورا متحركة ، أو أية مجموعة منظمة . ليضم تحت مصطلح السرد ، الروايات ، والقصص القصيرة ، والأساطير ، و القصص الشعبية . إلى جانب السيرة الذاتية ، والملاحم ، والتاريخ والأغاني الشعبية القصصية Ballad ، و غيرها . واستخدم تودوروف مصطلح السرد بمعنى الحكاية . ويستعمل أيضا على كونه العمل التواصلي الي به وفيه ينقل المرسل رسالة ذات مضمون قصصي إلى مرسل إليه ، رديفا للكلام باعتباره وسيطا يحمل الرسالة المذكورة ، ولكنه متخيلا . أما  جيرار جينيت ، فيحدد السرد  في علاقته بالـ ( الحكي ) في الفصل الخاص بـ ” الصوت السردي ” ، عبر علاقات معينة ، حيث ربطه بالمقام السردي أي المنطوق السردي أو النشاط السردي الذي يتولى مهمته سارد ، يسرد حكاية ويصوغ الخطاب الناقل لها ، وهو ما سماه جينيت فعل السرد . وكأنه يميز بين فعل الكتابة الذي يكون عبر فاعله / الكاتب ، و فعل السرد الذي ينجزه السارد . و بالتالي ، فإن جينيت هنا ، يحدد السرد بكونه الناقل للخطاب الشفوي أو المكتوب الذي يتكفل بسرد حدث أو سلسلة أحداث . وفعل السرد يرتبط بمفهوم ثان هو زمن السرد ، حيث أن التحديد الزمني الرئيسي للمقام السردي هو موقعه النسبي من القصة . على مستوى النقد العربي ، يذكر سعيد يقطين رأيه في مفهوم  السرد ، بقوله : ” يتحدد الحكي (السرد ) بالنسبة لي كتجلٍ خطابي ، سواء كان هذا الخطاب يوظف اللغة أو غيرها . ويتشكل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة ، تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها وعناصرها . وبما أن الحكي بهذا التحديد متعدد الوسائط التي عبرها يتجلى كخطاب أمام متلقيه ، نفترض – على غرار ما ذهب إليه بارت – أنه يمكن أن يقدم بواسطة اللغة أو الحركة أو الصورة المنفـردة أو مجتمعة بحسب نوعية الخطاب الحكائي ”  . والسرد اليوم بات محصورا بالسرد القصصي و الروائي  ، وقد لا يكون جميع ما نشر تحت مفهوم السرد ، نابعا عن وعي فني متطور متجسد فعلي لمفاهيـم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة السرد وماهيته ، ولا تسعى للتعبير عن وعي جمالي يتخطى حدود الوعي السائد ، ويتجاوزه إلى آفاق جديدة . لهذا فإن مهمة النقد حيال السرد لا يتمثل بالإرشاد والتعلـيم ، بل في تجسيد رؤية فنية ، أي تفسير فني للعالم ككل ، وكشف الجديد من العلاقات الخفية داخل السرد بشكل خاص . وهو ما قرنه هايدجر سابقا بضرورة تليين التقاليد الجامدة ووضع نهاية لعملية الوجود مدخلا ، فإن علينا أن ندمر المحتوى التقليدي للمعرفة القديمة . إلى أن نصل إلى تلك التجارب الأولى أو أدواتنا الأولى فيها لإبراز طبيعة الوجود . والتدمير هنا لا يقصد به أمر سلبي أو عدمي يدعو للتخلص من تقاليد المعرفة ، بل هو يحمل بعدا إيجابيا يتمثل في كونه يجتث التقاليد والحقائق الجامدة والميتة التي تحرم الكينونة من ادراك نفسها . ويحمي اللغة من التحجر والتكلس والتحول بدورها إلى مجرد تقاليد إضافية تجسر هوة الادراك في إنشائها الأول . وشكل هذا المدخل ظهور نظريات لاحقة ، منها نظرية التلقي وانتاجية المعنى ، حيث يعد الناقد الألماني هانز روبرت ياوس المؤسس الحقيقي لها ، من خلال محاضراته الشهيرة التي ألقاها بجامعة كونستانس تحت عنوان ( التاريخ الأدبي باعتباره تحديا للنظرية الأدبية ) ، منتقدا فيها المناهج التي كانت سائدة آنذاك في تاريخ الأدب ، مقدما بذلك رؤية جديدة تتشرب منها مرجعيات نقدية متعددة ، وتستند إلى مجموعة من المفاهيم النظرية والاجرائية لتأويل واقع الظاهرة الأدبية تأويلا جديدا يأخذ بعين الاعتبار تفاعل القراء ، وخصوصية سياقهم التاريخي الذي يؤثر في كيفيات استيعابهم وتمثلهم للأعمال الأدبية حاليا . مما يعني تدمير المعنى السابق لكل السياقات.
يتبع..

أضف تعليق